يبدأ شهر رمضان مزدحماً بالمواعيد، والأعمال، والاستعدادات. ينطلق الناس إلى الصحراء لرؤية هلاله، وتنطلق المدافع مرحبة بقدومه، وتمتلئ الأسواق لشراء مقاضيه، وتزدحم البيوت والمجالس بالمهنئين، وتضج وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام بالتهاني والمسلسلات، والمسابقات، والأفلام وغيرها!
يعجز الإنسان عن وصفه بعبارات جامعة مانعة، فهو ليس الإمساك عن الطعام، والشراب، والنكاح من طلوع الفجر إلى المغرب فقط. فكم من صائم ليس له من صيامه غير الجوع والعطش! وليس شهر الترفيه بالمسلسلات، والأفلام والبرامج، والإنترنت، وتضييع أيامه بما لا طائل منه. وليس شهر الكسل وترك العمل. إنه شهر العمل، والجهاد، والفتوحات والغزوات: كبدر، وفتح مكة، وحطين، وعين جالوت، وفتح القسطنطينية.
إنه شهر دعينا فيه إلى ضيافة الله، أنفاسنا فيه تسبيح، ونومنا فيه عبادة، وعملنا فيه مقبول، ودعاؤنا فيه مستجاب بنيات صادقة، وقلوب طاهرة. فيه عبادتنا أسهل من غيره من الشهور لتصفيد الشياطين، فأوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
إنه شهر النماء، والخير، والبركة، وإنزال القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. شهر الأمل الذي ما زلنا نتمسك بأهدابه لنكون خير أمة أخرجت للناس.
إنه شهر القيم النبيلة، والأخلاق الجميلة التي بعث من أجلها الأنبياء. إنه شهر الرحمة وإضعاف الأنانية، وتوجيه إحساس الإنسان نحو أخيه الإنسان بالتسامح والحب، والسلام، ودفعه لإعمار الكون.
هو شهر ثورة النفس على النفس، على أهوائها وشهواتها، وملذاتها، وشياطينها، وإعادة برمجتها نحو فطرة الله التي فطر الناس عليها، فالصوم زكاة للأبدان، واختبار من الله للإنسان لإخلاص عبادته.
فالبدار البدار لاستغلاله؛ لأنه أيام معدودات، فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، فيه تضاعف السيئات والحسنات، فالشقي من حرم غفران الله، وطوبى لمن عتقه الله من النار.
ولله در مصطفى صادق الرافعي حين قال عنه في وحي قلمه: «ألا ما أعظمك يا شهر رمضان! لو عرفك العالم حق معرفتك لسمَاك مدرسة الثلاثين يوماً».
** **
- الدمام