يوسف المحيميد
سأسرد لكم قصة واقعية حدثت خلال هذا الشهر الفضيل، عن هروب عاملة منزلية فلبينية من منزل كفيلها، وهي قصة تتكرر كثيرًا خاصة مع قدوم شهر الخير، ففي آخر أيام الاختبارات النهائية، وبعدما استلمت العاملة المنزلية راتب آخر شهر، فتحت الباب ببساطة وهربت، ولا يعرف كفيلها سبباً مقنعًا لهروبها، خاصة لطبيعة العلاقة الحميمة، والود المتبادل مع العائلة، لا شيء سوى أنها ترغب بالسفر لزيارة أهلها مع أنها لم تكمل ستة أشهر منذ قدومها للمملكة، وتم إقناعها بأنّ العقد معها يوجب مرور سنة على الأقل للحصول على الإجازة!
ماذا ستفعل عزيزي القارئ لو كنت مكان الكفيل؟ حتماً ستذهب بأسرع وقت للإبلاغ عن هروبها لدى أقرب مركز شرطة، ومركز رعاية شؤون الخادمات في طريق أبي بكر، ثم ستنتظر أن يتصل بك أحد! لكن الأيام تمر تباعًا، وقد تسول لك نفسك للمراجعة، والسؤال (لعل وعسى)، وستأتيك الإجابة المعتادة، حين نصل إليها، سنتصل بك، اجلس في بيتك وانتبه لجوالك!
في منتصف الشهر الفضيل يرن هاتفك المحمول، وتفز فرحًا لرؤية رقم ثابت، حيث يبلغك موظف من وزارة العمل، بضرورة الحضور لمقر الوزارة، في العاشرة تمامًا من يوم الثلاثاء القادم، تسأل بسعادة: وقلق: خير إن شاء الله؟ فتجيء عباراته كصاعقة مدوية وهو يخبرك بأنه مُدّعى عليك، وعليك الحضور للنظر في القضية! ومن المدّعي ما شاء الله؟ يخبرك بأنّ خادمتك الفلبينية المظلومة هي المدعية عليك، ويجب أن تحضر لدفع الدعوى المقامة ضدك!
قبل الوقت المحدد للمحاكمة العادلة، تقود سيارتك على عجل، وتتوقف عند مقر الوزارة عند العاشرة إلاً ربعاً، وتعرّف بنفسك بعد أن تسلم بطاقتك للموظف، فيأمرك بالجلوس، وعند العاشرة يذهب إلى قسم الخادمات المتقدمات بشكاوى، ينادي باسمها، مرة، مرتين، ينتظر عشر دقائق، ثم يعود للنداء، ويتصل بها على رقمها الجديد المسجل عند الادعاء، والمستخرج من شركة اتصالات جديدة (ولن تعرف كيف حصلت على شريحة جوال وبطاقة إقامتها محفوظة لديك)، المهم بعد الاتصال بها تجيب بأنها لم تحضر، وهي الآن تتسوق في البطحاء!
سيقول لك الموظف بأدب: آسفين على الإزعاج، والدعوى ملغاة، توكل على الله!
وبس؟ هذا ما توسوس به نفسك وأنت تعود أدراجك، ما الذي أوصلنا إلى هذا الحد من الفوضى؟ لماذا يعيثون في بلادنا دونما رادع؟ كيف لا تتعاون الجهات والدوائر الحكومية مع بعضها، وكأنّ كل جهة في بلد؟ مع أنّ الجهات والمؤسسات في شتى بقاع الكرة الأرضية تتواصل وتعمل مع بعضها بكبسة زر، أسئلة كثيرة تدور في رأسك، فتستغفر ربك وأنت تتنهد بعمق: اللهم إني صائم!