د. حمزة السالم
بلادنا ليست كمصر وليبيا وسوريا. فكل دولة من هذه الدول كانت دولة واحدة منذ قديم الزمان. فمهما اختلف أهلها بينهم بعد تغيير الأنظمة، فإنّ احتماليات الفوضى والانهيار الأمني والسياسي والاقتصادي عندهم أقل من احتماليات وقوع ذلك لبلادنا، في حال حدوث مسيرات فوضوية واعتصامات. ولا يستبعد أنّ هناك من الدول من سيرسل جلادينه عند قيام أي فتنة - لا سمح الله - لنشر الخوف والدم والتخريب تحت غطاء الفوضى، فيسهل عليهم السيطرة والهيمنة على ديارنا وقد أصبحت كأفغانستان والصومال.
وبخلاف الدول الأخرى، فإنّ بلادنا قد كانت قبائل وأمارات فقيرة متنازعة، فتوحدت في بلد واحد فأمنت واغتنت، فهي في رغد من العيش أبداً ودائماً بإذن الله، تحت وحدة المملكة العربية السعودية.
الوحدة تحت راية واحدة، نعمة من أعظم النعم. والقائد المُوحد قائد عظيم، بشاهد أنّ نبينا عليه السلام هو أعظم من وحّد راية الفرقاء، وصدق الله {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء}. والوحدة لا تأتي إلا بمخاض عسير، حتى إذا وُلدت فلا تخلو من مرض ووهن حتى يستقيم عودها وتقوى شوكتها.
ولا يشعر كثير من الناس بنعمة وحدة المملكة العربية السعودية. وما ذلك إلا لأن وحدة بلادنا - قياساً على الأمم من غيرنا - لم تقم على كثير دماء ودمار، وهي على حداثة عهدها بالوحدة، إلا أنها قطعت شوطاً كبيراً في العدالة والمساواة. وهذه أمريكا لم تتحقق وحدتها حقاً إلا بعد الحرب الأهلية الدموية المدمرة للجنوب، ولأعوام بعد الحرب، تسلط الشماليون على الجنوبيين بعد انتصارهم في الحرب.
التأليب العام يشحن القلوب، فيسهل نشر الفوضى عند المسيرات والاعتصامات التي استعد لها العدو المتربص، فيدس عملاءه من أجل أن يجعل من فوضى المسيرات والاعتصامات دماراً دموياً شاملاً لبلادنا. وفي التاريخ وما نراه حولنا فيه عبر وموعظة بليغة لمن يميل قلبه لزخرف القول، فيلقي سمعه لمن يدّعي الإصلاح أو الاحتساب بالتأليب العام.
ولا حياة ولا إصلاح بغير وطن. ولا وطن لنا نحن السعوديون بغير الوحدة تحت راية المملكة العربية السعودية، ولا وحدة لنا مع أي فوضى قد تحدث بقصد أو بغير قصد، وقد تربص بنا العدو البعيد والحاسد القريب.
قد يقع ظلم أو أثرة على أحد منا، بحق أو توهم، فمن أحس بشيء من ذلك، فليصبر كما صبر الأنصار وقد وجدوا في أنفسهم من أثرة قريش والعرب عليهم، وسيوفهم تقطر دماً منهم. وعزة المرء في دياره وقد اختزل الشاعر الصبر على الأوطان فلا عزّة إلاّ بها إن حلّ بها أو إن رحل عنها في قوله (بتصرف):
بلادي وإنْ جارت عليَّ عزيزة
ولو أنّني أعرى بها وأجوع
ولي كف ضرغام أصول ببطشها
وأشرى بها بين الورى وأبيع
تظلُّ ملوك الأرض تلثم ظهرها
وفي بطنها للمجدبين ربيع
أأجعلها تحت الثرى ثم أبتغي
خلاصا لها؟ أنى إذن لوضيع
وما أنا إلاّ المسك في كلِّ بلدة
أضوع وأما بدونها فأضيع