د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
توقيع اتفاقيات سعودية عالمية لإنشاء وحدات سكنية خصوصاً بعدما أعلنت وزارة الإسكان بأن هناك 190 شركة عالمية ومحلية متخصصة في التطوير العقاري تجري حالياً مفاوضات من جنسيات متعددة بعضها صينية وتركية ومصرية، لكن أعلنت الوزارة أن عدد الشركات المحلية يبلغ نحو 170 شركة من الإجمالي ما يعني أن عدد الشركات العالمية فقط يبلغ 20 شركة أي أن الشراكة الإستراتيجية لا زالت محدودة وستستمر في حلقة مغلقة.
وإن كانت وزارة الإسكان أعلنت بأنها بصدد مباحثات مع الجانب الأمريكي تستهدف استقطاب كبرى الشركات الأمريكية المتخصصة للعمل بسوق الإسكان في السعودية خصوصاً أن وزارة الإسكان تركز على كيفية تطوير الأراضي داخل المدن مستثمرة مساحات الأراضي البيضاء التي قدرتها بنحو 40 في المائة وهي تقع ضمن نطاق عمراني وضمن نطاق الخدمات التي تسرع من بناء تلك الوحدات وفي الوقت نفسه سرعة تسويقها.
لكن إشكالية وزارة الإسكان أنها لا زالت تبحث عن تشجيع القطاع الخاص الذي لا يمتلك القدرات وكذلك التمويل على تطوير تلك الأراضي عن طريق برامج الإسكان، وهي تريد أن تقدم لهم مساعدات عن طريق عدة محاور للتكاليف وهي تكلفة الأرض إذا كانت أراضي الوزارة يتم احتسابها بسعر رمزي في بعض الحالات، أي أن الوزارة لا زالت تسير وفق حلول تقليدية وليس وفق حلول مبتكرة كما أعلنت خصوصاً أن المطورين المحليين من دون شراكات عالمية لن يتمكنوا من تحقيق إستراتيجية وزارة الإسكان، وذلك لا يتعارض مع استعداد الوزارة تقديم تلك التسهيلات ولكن يجب أن تكون بشرط الشراكة مع شركات عالمية التي تمتلك الخبرات اللازمة والتقنيات غير الموجودة لدى المطورين المحليين.
ليس عقبات وزارة الإسكان ممثلة فقط في الوقت بل في كذلك في التمويل ونوعية البناء وجودته وتكاليفه والتقليل في الاعتماد على العمالة مقارنة بالبناء التقليدي خصوصاً أن هناك شركات أمريكية وألمانية متخصصة في بناء المساكن تعتمد الحوائط الجاهزة التي توفر عزلاً حرارياً وصوتياً وهي منخفضة التكلفة مقارنة بأنظمة البناء التقليدية.
الشراكات في مجال الإسكان هي التي تعمل على تطوير ونقل تقنيات البناء الحديثة والمرتبطة بإنشاء صناعات محلية مرتبطة بها وهي التي توفر حلولاً سكنية مختلفة وسريعة من أجل كسر حاجز المراوحة التي ظلت وزارة الإسكان تعيشها في الفترة الماضية وهي في الوقت نفسه تبحث عن حلول لأزمة السكن فيما استمرت السوق السكنية محتكرة من قبل مجموعة محدودة من المطورين الذين يرفضون مشاركة شركات أجنبية لأنهم يريدون أن تستمر أرباحهم عالية كما كانت عليه في الفترة الماضية، وهم يرفضون الاعتراف بالتحول الجديد الذي تعيشه المملكة، فيما أنهم لا يحبذون دخول الشركات الأجنبية أو مشاركتهم لها لأنها ستكتفي بهامش ضئيل من الأرباح نسبة إلى الأرباح التي يحصلون عليها، وفي الوقت نفسه تكسر الشركات الأجنبية احتكارهم للسوق وحتى الآن لم تعترف وزارة الإسكان بأنهم غير قادرين على مواكبة المرحلة الجديدة التي تعيشها رؤية المملكة 2030 ويسبقها التحول الوطني 2020 التي تكشف مدى التوجه نحو تحقيق رؤية المملكة.
لأن الشركات المحلية تصر على احتكار السوق ولا تحبذ دخول الشركات العالمية أو مشاركتها التي تتبع أنظمة عالمية للبيوت سريعة البناء تطبق وتطور على مدى عشرات السنين وعليها ضمانات سبقت إليها الدول المتقدمة كأمريكا وأوربا والصين وهي مساكن ذات تحمل للأعاصير وبعضها مقاوم للزلازل ومقاومة للحرائق لساعات طويلة مع سهولة صيانة الكهرباء والسباكة بأقل التكاليف وتتبع نظام أسقف من دون أعمدة المكلفة، ونظام تلك البيوت بالفولاذ والبولي ستسايرين ذات العزل العالي وهي أنظمة عالمية تبنى بها ناطحات السحاب.
سبق أن جربت السعودية المباني الخرسانية المسبقة الصب وهي موجودة في السعودية منذ فترة طويلة في المدن العسكرية والصناعية، حيث ينفذ من التصميم الواحد مدن كاملة وفي فترة وجيزة، وهي تتغلب على ارتفاع تكاليف البناء من مواد بناء وخرسانة وكهرباء وسباكة وتكلفة العمالة.
الانتقال إلى المنازل سريعة البناء تساير الحياة السريعة والتقدم التكنولوجي وهي مساكن صديقة للبيئة، ومن الغريب أنه نتيجة استخدام السعودية للبناء التقليدي أنها حلت في المرتبة الثامنة عالمياً من حيث إنتاج الأسمنت الذي ناهز 61.9 مليون طن أي بنسبة 1.5 في المائة من الإنتاج العالمي عام 2015 في حين تتجاوز نسبة الولايات المتحدة 2 في المائة، واستحوذت الدول الآسيوية الأربع الصين، الهند، فيتنام، وإندونيسيا على 67.7 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي عند 4.1 مليار طن، وتأتي السعودية في المركز الأول عالمياً من إنتاج الإسمنت لكل مواطن الذي يبلغ نحو طني أسمنت لكل مواطن، بينما لا تزيد في الولايات المتحدة على نسبة 0.3 طن لكل مواطن فيما نحن نعاني أزمة سكنية ولا تعاني الولايات المتحدة من أزمة سكن.
بسبب أن القطاع العقاري السعودي ظل لعقود طويلة يسير حراً دون ضوابط ما دفع بالأسعار إلى مستويات مرتفعة تجاوزت الضعف خلال العقد الماضي فقط، ما جعل الدولة تتخذ الكثير من التدابير الصارمة للحد من ذلك عبر فرض رسوم على الأراضي البيضاء والدخول في التطوير العقاري وبطرح وحدات سكنية غير ربحية وهو ما أجبر القطاع العقاري التجاري على التراجع وخفض الأسعار، وإذا لم تتخذ وزارة الإسكان خطوات جريئة نحو تحقيق الشراكة الإستراتيجية مع الشركات المحلية من أجل سرعة تنفيذ المساكن وفي الوقت نفسه تتجه نحو تأسيس شركات بمعايير عالمية حتى تتمكن من توفير 1.5 مليون وحدة سكنية خلال خمسة أعوام كما وعدت بذلك وزارة الإسكان.