بخوذة وسيف في غمده ممسكاً بخطام فرس يمتطيه ومن ورائه جيش جرّار يقوده من نصر إلى نصر هكذا كانت صورة القائد صلاح الدين في كتاب المحفوظات للسنة الرابعة الابتدائية بتخيل رسام متميز حفرها في الذاكرة دون أن تطغي عليها حتى صورة الفنان غسان مسعود في فيلم (مملكة الجنة)!
لا زلت أتذكر النشيد الحماسي:
إيه صلاح الدين...حامي حمى العرين!
وما كنّا نظهره من فخر واعتزاز حتى تعاقبت الأجيال وغاص في لجج النسيان ولكنّها صورة تحمل معاني الحب والتسامح والإسلام الحقيقي فتقفز بسرعة إلى المشهد حين يأتي ذكر صلاح الدين الذي ما فتئ العالم الإسلامي يذكره بخير لكونه كان كالشجا في حلق الصليبيين على اعترافهم ببرّه لهم مما حدا بغورو القائد الفرنسي أن لا ينسى أن يزور قبره منتشياً بالنصر بعد معركة ميسلون ليقول له : (قم يا صلاح ها نحن عدنا) !
تعددت الكاريزما التاريخية في ذاكرة العربي وزاد رصيد الذين نذكرهم بخير دون أن نحذو حذوهم على أنهم قد غلبونا وتأثرنا بهم ذكراً وقدوة هامشيّة فقط لأننا لم نسير على خطاهم حقيقة كما شرّع ذلك ابن خلدون في تاريخه : ( المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونحلته وعوائده ) ولا يقصد المحتل فقط وإنما كل من غلبك على ضعفك وتأثرت به ! إلا أننا نسينا ذلك ونحن نعبر الطريق فلم نقتدِ لا بشعاره ولا زيّه ولا نحلته ولا حتى عوائده ! فقد تكون الظروف تختلف فالقوة ليست كذلك والعقل أيضاً له توجهاته والحياة برمتها تتغير وما كان بالأمس لا يصلح اليوم ولكن تبقى الصورة النمطيّة في أذهان كثير من العرب والمسلمين ويأخذهم من الشوق ما يسقي به قلوبهم من بذرة الطموح والحماسة فكانت فرصة الإرهابيين تورية عن الحقيقة في جعل تلك الصورة على الواقع حتى بعد ألف سنة ونيّف مما نعد ! فاستُغلت بأبشع مما نتصور فكثير من الشخصيات الإرهابية قد انتحلت الأسماء والصفات بالزيّ والشعار وصفق من لا يملك إلا كفّين لأنّ العاطفة رطبة والقلب لم يرتو بعد والعقل لا يزال يعيش دوّامة الأبطال ! وزخرف القول يتلاعب به ويتشدق من أُتي في العربية فصاحة لغرضٍ في النفس كثرثار الجنوب فصدّق منْ صدّق بسذاجة متناهية! فمالت كثير من القلوب والعقول كعقدة نقص وهتف بالأسماء من لا يحسن نُطقها! ثم كان لهم السبق أن يجمعوا من الغوغاء والجهلة ما يقنعهم بحقيقة الأمر وأنهم حماة حمى العرين فالتف حولهم اثنان : فأما أحدهما فقد أخذه الحماس كل مأخذ وإن كان له عقل يتفيؤ ظلاله إلا أنه خارج الخدمة فإن استبان له الأمر رجع عن غيّه وأقلع عن ذنبه أو مات ميتة جاهلية من سوء الخاتمة وبعقل لم ينفعه ! والآخر الذي جهل كلّ شي فليس له ناقة ولا جمل ولكن ما هو إلا من غُزيّة إن غوت غوى ولبئس الغُزيّة ! لذلك نجد العنوان الكبير على صدر الدول والتنظيمات الإرهابية المؤدلجة التي طافت أرجاء المعمورة مدبّجة بالشعارات البرّاقة التي تسلب اللبّ وتطير بعقل الحاذق الأرب وما حقيقتها إلا أعناق قد أشرأبت للخيانة كأغلفة الشوكولاتة المزيفة بغلاف الأصل حتى إذا تذوقتها رميتها إلى الأرض فهي كما قال مسلم بن الوليد:
قَبُحتْ مناظرهم فَحين بلوتهم
حَسُنتْ مناظرهم لِقبحِ المخْبَرِ !
فكأنما كانت الأسماء والألقاب الرنّانة التي نستعين بها للمفاخرة وحسن الأحدوثة مدخلاً للقلوب وقناعاً خادعاً للدمى المتحركة التي ما أسرع أن تسقط من ركن الألعاب وتتفكك إلى قطع متناثرة ويبين عوارها لمن كان له قلب أو ألقى السمع .
- زياد السبيت