سعيد الدحية الزهراني
لا إعلام بلا أيديولوجيا.. مسلمة إعلامية يلتقي حولها دارسو الإعلام ومنظروه وممارسوه.. مشكلة ما يشبه الإطار الدلالي الذي يحسم أنواعاً من النقاشات البيزنطية من نوع دعوى الحيادية والموضوعية في حقل الممارسة الإعلامية.. وهي مفاهيم طوباوية لا وجود لها في الواقع إلا في شكلين شكلانيين لا أكثر؛ الأول في كتب الإعلام النظرية وأطروحاته البحثية المتخصصة ضمن سياق بناء النماذج المعيارية المنضبطة بمحددات ما ينبغي أن يكون عليه شكل الأداء أو الممارسة المهنية السليمة.. أما الثاني فعبر ما يرد على ألسنة الأضداد المختلفين لدى زملاء مهنة الإعلام.. حين يرمي أحدهما الآخر بعدم الحياد والموضوعية قدحاً في مهنيته الإعلامية..
التسليم بإمكانية الحياد الإعلامي (المستحيل) تقتضي عزلاً كاملاً للذات الإعلامية عن تأثيرات البيئات التي تنتمي إليها.. أي أتمتة الذات الإعلامية، وباختصار وتحويلها إلى آلة صماء فقط.. مع تسليمنا جميعاً بجمالية وجودة المعنى الثقافي العميق لمفهومي الحياد والموضوعية المستحيلين..
في هذا السياق يرد المعنى الأعمق والأخطر لتوظيف دلالات الحياد والموضوعية في حقل الإعلام الوطني.. وسنتفهم أن يرمي الأعداء بعضهم بعضاً بنقيصة الانحدار المهني نتيجة لغياب الحياد والموضوعية.. لكن الذي يستعصي علينا فهمه أن يتخندق أبناء الوطن في صف العدو الذي يستهدف أمن وطنك واستقراره وكيانه.. مطالباً بالحياد والموضوعية الصرفة كما هي في مرجعيات الطرح النظري.. متعامياً عن إعلام العدو الذي لم يرقب فيك إلاً ولا ذمة ولا أواصر دم وقربى وأخوة.. نهايك عن أن يرقب في إعلامه حين يوجهه إليك مهنيةً أو موضوعيةً أو حياداً..
في أميركا - حامية الحريات في العالم - التي ينص دستورها الأساسي على حرية وسائل الإعلام وحق التعبير عن الرأي.. تحظر الأنظمة الأمريكية نشر ما يعارض سياساتها وقراراتها حال الحروب والأزمات السياسية.. ليأتي إلينا نشاز الصوت المتشدق بالحيادية والموضوعية وهو لم يملك تطبيقها على نفسه حين خسر فريقه الذي يشجعه أمام الفريق المنافس في ديربي موسمي لكرة قدم..
رحم الله المفكر عبدالوهاب المسيري الذي قال: الحياد والموضوعية في النقد.. وهم.. والإعلام ماذا سيكون إن لم يكن نقداً..
* لا حياد في الوطن.