د. صالح بن سعد اللحيدان
الجزء الثاني
كنت قد أسلفت بأن ما وقع فيه الشيخ تميم لعل وراءه ما وراءه؛ فوالده الشيخ حمد كنت أتوسم فيه السمت والصمت على غرار الحكام النابهين، وكان قد زل من قبل إلا أنه تراجع ثم أعادها جذعه.
والذي حصل اليوم من هذا الانشقاق من خلال التصريحات التي اهتبلتها وسائل إعلام تنفخ في الرماد، وترقم على الماء، وتصطاد بالماء العكر، إنما حصل من باب العجلة وحب الريادة. وللحسد دور كبير في اللاشعور.
والذي حصل أعتبره - حسب تخصصي في سياسات الإدارة العليا - إنما هو عرض من الأعراض، وليس مرضاً؛ ذلك أن ما تم من خلال ذلك التصريح من تميم ومن قبله والده - هداهما الله للحق - إنما كان إفرازاً لشيءٍ قد كمن من قبل في العقل الباطن، وقذف به العقل الباطن إلى العقل الواعي، لكن هذه المرة كان سبب ذلك هو الاتكاء على قوة وأهمية ووجهه وأهمه على إيران التي كان من أصول اجتماع الرياض هو عدم اللجوء إليها بحال أو مقال.
وقد درست سير كثيرٍ من الحكام خلال قرون تطاولت، وقد وجدت أن سبب ما يحصل في الدولة من بلبلة وتناقض إنما سببه ما نص عليه كثير من علماء النفس التحليلي وعلماء النفس التطبيقي العملي، وهو أن (النرجسية) - وهي في التحليل الأخير حب الإنسان لنفسه - أن يكون شيئًا مذكورًا. ومن صفات هذه النرجسية ما يأتي:
أولاً: تقديم القلب على العقل.
ثانيًا: محبة الذات وتهويلها على غرار ما قام به كثيرٌ مما ذكره الله - عز وعلا - في سورة القصص.
ثالثًا: ميل صاحب هذه الصفة إلى التناقض ومحبة بعث لفت الانتباه.
رابعًا: كثرة الحركة والالتفات أثناء الحديث.
خامسًا: عدم الندم على خطأ قد حصل.
سادسًا: يميل صاحب هذه الصفة إلى تبرير ما عمله عند لومه على الآخرين بصورة من الصور.
سابعًا: يحيط نفسه بهالة من الصمت، أعني قلة الكلام، وإنما ذلك من باب التعاظم.
ثامنًا: يميل صاحب هذه الصفة إلى محاولة الخروج بطرق شتى، لكنه يتردد.
ولكي أبثها من عالم متخصص في مثل هذه المسائل.. الشيخ تميم يعرف هذا أنه لا بد أن يظهر شخصيًّا لينفي ما قاله، ولا يكتفي بالنفي الإعلامي المستقل أو الرسمي؛ ذلك أن النفي من صاحب القول يعني أنه كان قد اجتهد وأخطأ، وحينما تبين له ما هو عليه عكس المسألة قدم العقل السليم على القلب المتقلب الذي لا يلوي على شيء.
وليصدقني الشيخ تميم ووالده أنني أكن لهما التقدير، لكن قد يذهب هذا حينما يعجز الفهم عن السياسة
المنهوجة في عصر العولمة والتواصل الاجتماعي الذي يقرب من الحقيقة قاب قوسين أو أدنى.
وقد كان مؤتمر الرياض واضحاً من خلال ما تم، وقد حضره تميم، وأقره، فمن باب فهم المعقول على أساس المعقول المنطوق أنني آمل من تميم من باب المحبة وحب الخير له ولعائلته أن يظهر ويعلن البراءة مما قال، وذهابه للكويت لا يغني شيئاً؛ فالكويت دولة تقدم العقل على القلب في سياستها وفي التآخي بيننا وبينها منذ عصر قديم، ولكن المطلوب هو أن ينفي تميم ما نُسب إليه على سبيل ما كان قد حصل من غيره من حكام نابهين.
ولا شك أن كلامي سوف يقع منه موقعاً حسناً، وهو أحد المتابعين لي، وهذه ميزة أقدره عليها، لكن لعله ينحو نحو العقل السليم الخالي من المعارضة.
ولو أنه استمر على ما هو عليه فإن الجناية قد تجر الخطأ إلى غيره كما قال تعالى {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}، وكما جاء في الصحيح «اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالِق الناس بخُلق حسن».