.د.عبدالله بن محمد الشعلان
مقدمـة
يحلم الإنسان دائما بالعيش في وسط بيئة سليمة وصحية ونظيفة خالية من المنغصات والمكدرات المادية والذهنية والنفسية، وإذا توفرت تلك المقومات وانتفت تلك الملوثات يتواصل العمل وتزدهر القدرات ويظهر الإبداع ويتحقق الإنتاج، ومن ثم تسير الحياة على هذا المنوال بأسلوب سوي ونهج قويم. لذلك نتطلع إلى تربة صحية نعيش عليها وماء صاف نشربه وهواء نقي نتنفسه.
ولا شك أن الاهتمام بالبيئة وسلامتها والحفاظ على سماتها الجمالية ومقوماتها التراثية يصب في أولويات مهام وتطلعات الوزارتين الفتيتين وزارة البيئة والمياه والزراعة ووزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، كما هو بلا شك من صميم اهتمامات وتوجهات الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة وذلك نحو تشجيع وتمويل الأبحاث المتعلقة بالبيئة كما تشاركها مراكز البحوث أمثال مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ومركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية، كما تنضم إلى القافلة الجامعات السعودية بما لديها من مراكز أبحاث رائدة ذات إمكانات علمية متطورة، لعل هذه الجهود كلها تسهم في الإهتمام بقضايا الطاقة والبيئة ووفقا للخطوات التطويرية الحثيثة التي تسير بها الجامعات نحو إيجاد مراكز للتميز البحثي وكراسي البحوث وما يستقطبه ذلك من دعم كبير وتمويل سخي من قبل شخصيات وجهات ممولة لتمويل أبحاث تنويع الطاقة وترشيدها وحماية البيئة وسلامتها.
ما هي البيئة وكيف ارتبطت بهاجس الإنسان في حياته ومعاشه في عصره الحاضر؟
تتجسد البيئة في ما يكتنف الإنسان وحياته في هذا الكون من مفاهيم ومظاهر متعددة أهمها الأرض والتربة والهواء والماء، وتمثل البيئة من حيث إنمائها وتطويرها وحمايتها والحفاظ على مصادرها ومقوماتها الطبيعية والإقتصادية هاجسا عالميا تشترك فيه جل إن لم يكن كل دول العالم في عصرنا الحاضر.
ولقد برزت مشاكل البيئة والتفكير في إيجاد الحلول لها على مستوى عالمي منذ زمن بعيد، وإن تعددت تلك المشاكل لكنها في نهاية المطاف تلتئم في صورة واحدة وتلتقي في إطار واحد، وهي ما يرتبط بالأرض التي نتواجد عليها والجو الذي نعيش فيه والهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه والمصادر الإقتصادية التي نعتمد عليها بعد الله في حياتنا ومعاشنا.
كيف نتعرف على المخاطر الطبيعية التي قد تصيب البيئة بالدمار واندثار المعالم وتلاشي المقومات؟
المخاطر الطبيعية التي قد تترى على البيئة هي تلك الظروف أو العوامل التي تعمل على تدمير الإقتصاد أو تسبب الوفاة )الموت (للإنسان والعناصر الحياتية الأخرى التي تعيش فيها. ومن تلك الظروف تلك التي تكون خارجة عن إرادة أو تحكم الإنسان ذاته مثل الظواهر الجوية المتقلبة والفيضانات والزلازل والبراكين والجفاف والأعاصير والحرائق. أما تلك التي يكون الإنسان عادة مسئولا عنها وفي نطاق تحكمه فتنحصر مثلا في تلوث المياه وتلوث الجو، كذلك التخلص غير السليم والصحي من النفايات والمخلفات السامة، كذلك المخاطر المرتبطة بفشل في الأجزاء المصنعة من أجل الحياة في البيئة مثل انهيار المباني وتداعي الجسور، كذلك التخلص غير السليم والمنظم لمواد خطرة مثل المواد المشعة من محطات التوليد النووية أو انبعاث الغازات الكيماوية من الحاويات المنقولة سواء من السيارات أو القطارات أو البواخر أو الطائرات نتيجة التصادم أو الإنقلاب أو الإنفجار أو الحريق.
إن التمييز بين الكوارث الطبيعية والإنسانية التي تحدث في البيئة لذو فائدة في التمكين من توجيه وحصر الإهتمام في كيفية التصدي لتلك الكوارث والتحكم فيها وتجنب مخاطرها أو على الأقل التخفيف من آثارها البشرية والمادية والمعنوية.
ولكن كيف تقاس تلك الكوارث بمعايير قياسية؟
هناك طريقتان فالأولى عن طريق التأثير الأرضي وتقيس أبعاد الكارثة بحجم الطاقة، والمعيار الثاني يرنو إلى التأثيرات ويحاول قياسها، والفرق بين هذين المعيارين يتمخض في مقياسين تم التوصل إليهما لقياس شدة وتأثير الكوارث الطبيعية، فالأول يعنى بقياس المظهر الطبيعي للأرض ويحاول معرفتها بالحجم أو الطاقة، أما الآخر فيحاول التعرف على الأثر الذي تحدثه وتخلفه تلك الكوارث ومن ثم يعمد إلى قياسها، إن الفرق بين هاتين الطريقتين يمكن التعرف عليه على ضوء المقياسين الي تم التوصل إليهما لقياس الزلازل، فمقياس ريختر (Richter) يقيس الزلازل بدلالة الطاقة المنبعثة، وهذه الطاقة تقاس بجهاز (السيزموجراف) وهو جهاز في غاية الحساسية جرى معايرته بحيث تدل كمية الإزاحة بواسطة الإبرة بداخل الجهاز على كمية الطاقة المنبعثة والمحمولة بواسطة الموجات السيزموجرافية، وحيث أن القيم التي تعرف بها شدة الزلزال كبيرة جدا بدءا من اضطراب صغير يمكن التقاطه واكتشافه عن طريق الجهاز وقد لا يدركه الحس الآدمي إلى اضطرابات عنيفة ته ز المباني وتتصدع لها الأرض، لذا فإن مقياس ريختر مقياس لوغاريتمي )أي ليس خطيا( ولهذا قد يسبب أحيانا بعض الخلط وعدم الفهم في تفسير أرقامه ومعرفة دلالاتها، فمثلا قد يظن البعض أن زلزالا شدته 6 قد يساوي زلزالين شدة كل منهما 3 وهذا غير صحيح البتة. أما المقياس الثاني فهو مقياس ميركالي ، وهذا المقياس لا يقيس الزلزال ذاته بل يقيس تأثيره على الإنسان وعلى مدى تأثيره التدميري لحياته ومنشآته. وقد يتميز مقياس ريختر على مقياس ميركالي بأن الأول له تطبيق أوسع نطاقا وأكثر استتخداما من الأول وذلك لثباته في أي زمان أو مكان من العالم ، ولعل سوأته الوحيدة أنه لا يعكس معلومات عن مدى التدمير الذي وقع لأنه قد يقع بمقياس كبير )7 مثلا( في منطقة غير آهلة بالسكان فيكون تدميره أقل من مقياس صغير )4 مثلا( ولكن وقع في منطقة ذات كثافة سكانية وعمرانية كبيرة.