لا يوجد موقف راسخ على الإطلاق إلا في ثوابت الحياة ومن ضمنها العقيدة، وما عدا ذلك فإن الموقف قابل للتحول والتغير والتماوج بين الإيجابية والسلبية وبين الموافقة والرفض وبين اليقين والشك، فلا يمكن رسوخ الموقف الثابت في عقلية الإنسان تجاه أمر متحول غير ثابت ولا مستقر، حتى وإن كان العكس صحيحاً.
وإني في حقيقة الأمر أستغرب من أولئك الذين يبحثون وينبشون في تقلبات الرأي والموقف رغم أنهم يدركون أن المسافة بين تلك الآراء المتباينة تقدر بزمن يحمل الكثير من التغيرات في التعامل بين فريق وآخر، ويدركون جيداً أن رضا الرأي في مرحلة ما ليس بالضرورة أن يصبح ثابتاً من ثوابت الإنسان، فقد يشوب هذا الرضا بعض المنغصات التي تحوله إلى سخط وعدم اقتناع، فالسلوك الإنساني غير ثابت وغير مستقر، وبرأيي أنه لا يقبل بوجهات النظر التي تفسره، فكل شيء يمكن تفسيره إلا الشيء المتحول، لا يمكن تفسيره ولا التنبؤ به!
في الأزمة الأخيرة مع دولة قطر، سجل العديد من المثقفين مواقف مشرفة بعدم رضاهم عن التوجهات السياسية التي اتخذتها الحكومة القطرية والتي تضر بقطر نفسها ومن ثم بما جاورها من دول الخليج، وكان ذلك بدفاعهم عن هذا الوطن الحبيب وإعرابهم عن أسفهم الشديد من السياسات القطرية، وشجبهم واستنكارهم مما حصل، وذلك عبر مقالاتهم الصحفية أو من خلال حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي.
لقد لاحظت في تلك الأزمة أن البعض لم يرقهم ذلك التحول في الرأي، فراحوا ينبشون عن تغريدات قديمة لبعض المثقفين كانوا يمدحون من خلالها دولة قطر. وكانوا في حالة عتب كبيرة على المثقفين بزعم تحول آرائهم وتقلبهم، متناسين أن هذه هي قمة المصداقية، فللمحسن حق أن تقول له أحسنت وللمسيء حق أن تقول له أسأت. فليس في تحولهم بعد ما ظهر من الحكومة القطرية أي عيب، بل العيب هنا هو الثبات بعد انكشاف الخديعة، ورسوخ الموقف القديم!
لكن من يفهم هذا؟!
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
تويتر: @AaaAm26