لم ينفك الإشكال في علاقة المثقف بالسياسي منذ العصور القديمة المتمثلة بعلاقة العالم بالسلطان ؛ و علاقة الكاهن بالامبراطور ، هذه العلاقة الشائكة امتدت حتى العصر الحديث الذي تفجرت فيه الأيديولوجيا و أضحت علاقة المثقف بالسياسي فيه أكثر إشكالا مما سبق ؛ وذلك باعتبار (المثقف العضوي) مناضلا عنها و مدافعا عنها ومناصرا لها ، لذا فإن بروز مصطلح (المثقف) ظهر مع هاته الأيديولوجيات مقابلًا للشيخ العالم و الكاهن في الأديان؛ و من هنا تبتدئ هذه العلاقة غير المستقرة بين المثقف والسياسي.
وفي هذا المقال لن أتخذ وضع (المثقف العضوي) المناضل الذي يقف من السياسي موقف الرفض دائما؛ كما أني لن أقف موقف المثقف الذي لا يتقن العمل الفكري إلا تحت عباءة السياسي باعتباره مدافعًا عنه ؛ بل سأحاول الخوض أكثر في مناقشة السؤال التالي: هل السياسي يعتبر مثقفاً ؟! و هل القول بكونه مثقفا يجعلنا نتخذ وضع المحاورة و القبول معه لا الرفض و المواجهة له ؟!
إذا كنا ننطلق من رفض الثنائية المتقابلة بين الرفض و القبول بين المثقف و السياسي فإننا سنحاول تحديد ماهية السياسي ؛ و عليه فإن سمات السياسي تنطبق على سمات المثقف في كونه قارئًا و مطلعًا و (مثقفا عضويا) لأنه يؤمن بأيديولوجيا يريد فرضها من خلال سلطته ؛ والفارق بينه و المثقف هو أنه يمتلك السلطة التنفيذية التي يفرض بها رأيه على غيره من المثقفين ؛ لذا فمن الممكن له أن يسجن أو ينفي أو يقتل بقوة السلطة لا بقوة الحوار ؛ أما المثقف الذي لا يملك السلطة التنفيذية فهو لا يملك سوى الكلمة التي يواجه بها المثقف المخالف له/السياسي ؛ و على هذا فإن فرضية استقواء المثقف بالسياسي أو المعارضة له دائمًا هي إجراءات غير فكرية و غير فلسفية بل تنطلق كثيرا من نواحي شخصية و ذاتية .
ومن هنا يمكن لنا القول بأن المثقف يسعى ليكون سياسي و السياسي هو مثقف أصلا ؛ و بالتالي فالعلاقة بينهما ينبغي أن تكون علاقة حوار و تبادل أفكار ؛ و تحليل فلسفي لقضايا الإنسان في الدولة أكثر من كونها ارتباط شخصي يرتكز على علاقة عرقية أو قبلية أو اجتماعية ؛ و لعل استحضار الشك في الأفكار يخفف من وطأة سلطة السياسي كما أنه سيخفف من يقين المثقف ؛ و ربما سيمارس المثقف في حال تسلمه السلطة ما كان السياسي يفعله حال سياسته ؛ لأن السلطة مبنية على التنفيذ لا على طرح الرأي ؛ فالرأي يبدعه المثقف ؛ و السياسي ينفذ هذا الرأي على الواقع ؛ وهذا الذي جعل الكثير من الفلاسفة يرفضون تسلم زمام السلطة.
- صالح بن سالم
_ssaleh_ @