في الوقت الذي تزداد فيه نسبة «التهريج» والغث المتلون بتغيير المسميات، مع الاحتفاظ باجترار شخوصه، ومهرجي سيناريوهاته، تأتي مجموعة برامجية أخرى «مستنسخة» من المد الفضائي العالمي لتسويقه عبر الشاشات العربية خلال شهر رمضان المبارك، الذي أصبح يمثل للمنتجين والممثلين - تحديدا - موسم من لا موسم له! ليظل ما يستحق المشاهدة عبر قوائم الشاشة العربية نادر لا يكاد يبين! عبر غث الفضائيات المتدفق ليل نهار!
ليس دافعا ولا هدفا أن أثني على هذا البرنامج لأنتقص من ذاك، إذ الدافع الرئيس مرده الجمع بين تخصصي اللغة العربية وآدابها، والإعلام والاتصال، ما يدفع بحديثي الإعلامي هذا باتجاه الثقافة، للحديث عن «الجذر» المكون للثقافة بمفهومها الواسع، الذي يجسده (السلوك) بوصفه المرآة الحقيقية التي يمكن لكل منا التعرف عبره على قيم أي مجتمع من المجتمعات، إذ إن السلوك الثقافة في أوضح صورها، وأدق وأشمل تعريفاتها، ما يمكّن الباحث في العلوم الإنسانية، وفي مقدمتها علم الاجتماع، والنفس، والإعلام والاتصال، الذين يسعون بدورهم إلى تطبيق العديد من النظريات الإعلامية، التي يأتي في مقدمتها - على سبيل المثال لا الحصر - نظرية الغرس الثقافي، الفجوة المعرفية، انتقال المعلومات على مرحلتين، الاعتماد على وسائل الإعلام وغيرها، ما يجسد عمق علاقة الثقافة بالإعلام عبر العصور، وتمازج العلاقة، في عصر الثورات التقنية، والتزاوج المتنامي بين وسائل الإعلام والاتصال، التي تجاوزت مجرد التأثير في الثقافة، إلى إنتاج كائنات من ذرات ميكانيكية، أنتجها الافتراض ليصبح سلوكها وقعا!.
وعبر هذا المد الإعلامي، والعمق من العلاقة، يأتي برنامج «الصدمة» بوصفه مثالاً استطاع أن يقدم المشاهد العربي عبر شاشة «واحدة»، إذ نجح عبر خارطة القيم العربية في صدم العديد من القيم، ليضع الشارع العربي أمام نفسه في (تغذية راجعة)، بصدمات تجاوزت الكثير من قشور المقاييس الشكلانية، مانحة القيمة دقائق متناغمة الحضور من بلد عربي إلى آخر، في مشاهد تعيد قراءة الثقافة بمفهومها القيميّ لدى مختلف شرائح المجتمع، وتكشف مستويات تباينها بين أفراد «العينة العشوائية» العربية!
* إذ أدركت وسائل الإعلام ما تصنعه بها الجماهير عبر وسائل اتصالهم، فعليها أن تمنحهم بطولة همومهم!.
- محمد المرزوقي