نوقشت مؤخراً رسالة دكتوراه بعنوان «عبد الله الغذامي من النقد الأدبي إلى النقد الثقافي» في جامعة ليون الثانية في فرنسا، من إعداد الطالب أحمد اليوسف، حيث تضمنت الرسالة دراسة نظرية وتطبيقية ومقارنة للنقد الثقافي عند الغذامي، وخلُص نقاش اللجنة العلمية إلى أن البحث جاء بنظرة حيادية متصفاً بالموضوعية في حين أن غالبية الدراسات والأبحاث التي تناولت المشروع النقدي عند الغذامي سواءً كانت مناصرةً، أو معارضة له كانت أسيرة فكره وحتى لغته، كما وجد الباحث أنّ الاختلاف بين الغذامي والناقد الثقافي الأمريكي المعروف «فنسنت ليتش» عميق لدرجة أنّه لا يوجد اتفاق بينهما حتى حول تاريخ النقد الثقافي، على عكس مما هو رائج بين النقاد والباحثين العرب.
وقدّم الباحث تصوّراً جديداً عن مشروع الغذامي النقدي على أنه وحدة متماسكة، ينظر فيه للنص والخطاب عموماً من زاويتين: الأولى الألسنية، والثانية الأبعد والأعمق، وهي الثقافية. ومن خلال النقد الثقافي يتجاوز الغذامي دائماً الدلالات الضمنية للنص الأدبي أو الخطاب الثقافي عموماً من أجل اكتشاف ذبذباته الدقيقة وصداها وأثرها في المتلقي، وأحياناً يقدم قراءات وتحليلات مختلفة أو مناقضة لما جاء به الغذامي.
وهدفت الرسالة بحسب الباحث إلى تقديم مشروع نقدي عربي مهم للقارئ الغربي عموماً، وإعادة قراءة هذا المشروع وتحليله، وخاصة بجزئه الثقافي ضمن سياقه العام؛ عاقداً مقارنات عدة بين الغذامي والمدارس النقدية الثقافية في الغرب أو « النظرية الأم».
لقد حاول الباحث تفكيك النظرية النقدية عند الغذامي عموماً، والنقد الثقافي بشكل خاص من أجل إعادة تركيبها من جديد بحيث تظهر أصالة هذه النظرية من جهة، ويُمكن تقييمها في ضوء المقارنة مع النقد الثقافي الغربي من جهة أخرى على المستوى النظري والتطبيقي.
وقسّم الباحث الرسالة إلى ثلاثة أبواب؛ كل باب يتكون من فصلين. في الباب الأول؛ النظري عرض الباحث التطور النقدي عند الغذامي منذ صدور كتابه «الخطيئة والتكفير» 1985م وحتى صدور «النقد الثقافي» 2000م، ركّز الباحث على أهم المفاهيم التي اهتم بها الغذامي في نقده الألسني وأعطاها أبعاداً جديدة، كالدلالة والنص، ومفهوم الكاتب، وغيرها من المفاهيم.
أمّا الفصل الثاني؛ فقد تحدّث فيه الباحث عن النقد الثقافي عند الغذامي: النظرية والمنهج، حيث يعقد الكثير من المقارنات مع كبار النقاد الثقافيين الغربيين خَلُص من خلالها إلى أنّ الغذامي لم يستفد فقط من أفكار هؤلاء النقاد في نظريته وحسب؛ بل تجاوزهم وقدّم نظريته الخاصة.
أمّا البابان الثاني والثالث فقد كانا تطبيقيين، حيث حلّل الباحث كيف طبق الغذامي النقد الثقافي على الأدب والخطاب الإعلامي. تخلل ذلك الكثير من المقارنات بين ما طبّقه الغذامي وبقية النقاد سواء الأدبيين أو الثقافيين.
ويخلُص الباحث إلى أن الغذامي لا يطلب من أحد أن يصادق على آرائه بقدر ما يطلب منه أن يعيد التفكير وفق نظرة نقدية جديدة، ولا يطلب من النقاد أن يكونوا نسخة عنه بقدر ما يطلب منهم أن يختلفوا معه؛ لكن بشرط أن يكون الاختلاف مصحوباً بالحجة والبرهان.
وتصدى الباحث لترجمة المصطلحات النقدية، وشرحها للقارئ الغربي، ذلك أن الغذامي يستخدم مصطلحات دقيقة يستوجب توخي الدقة المتناهية في ترجمتها.
وكانت الرسالة بإشراف البروفيسور إيف غونزاليس كيخانو من جامعة ليون الثانية ولجنة الحُكم من الأساتذة: البروفيسور «برونو باولي»، رئيس اللجنة من جامعة ليون الثانية، البروفيسور «إيف غونزاليس كيخانو»، الأستاذ المشرف، في جامعة ليون الثانية، البروفيسور «بطرس حلّاق»، والبروفيسورة «هيدي تولي»، من جامعة السوربون.