ياسر صالح البهيجان
اعتادت الحكومة القطرية منذ أكثر من 20 عامًا على تنفيذ سياسة افتعال الأزمات، أي إيجاد أزمة من العدم ثم تحركيها عبر الأذرع الإعلامية إلى أن تتحول الأزمة المفتعلة لواقع تؤمن به الجماهير المخدوعة، وبعدها يتحرك الشارع استجابة للمثير الوهمي لتدخل المجتمعات في حالة من الفوضى التي تزعزع استقرار الدول، وينتج عنها قلب لأنظمة الحكم، وفق رؤية تقسيمية تفرضها القوى الكبرى وليس لقطر مصلحة فعليّة منها، إلا كونها أداة ومطيّة لتحقيق غايات لاعبين آخرين تبحث الدوحة عن رضاهم لنيل شيء من الكبرياء الهش، ولتعيش دور الدول الفاعلة إقليميا حتى وإن كان عبر تصدير الصراعات.
وامتدادًا لسيرتها، اتجهت الدوحة لافتعال أزمتين أساسيتين منذ أن أعلنت السعودية ومصر والإمارات والبحرين قطع العلاقات معها، وكلتا هاتين الأزمتين تسعيان إلى توجيه الرأي العام العربي والدولي إلى الأضرار الشعبية الناتجة عن المقاطعة، وبهدف إبعادهم عن تجريم سلوكيات الحكومة القطرية العدائية ضد دول الجوار، ولإشغال الأوساط السياسية عن تمويلها وإيوائها للمنظمات الإرهابية التي تخطط لتقويض الأمن والسلم في المنطقة وبما يتعارض صراحة من القوانين والأعراف الدولية.
الأزمة المفتعلة الأولى تمثلت في تبني خطاب التجويع والمحاصرة، وبدأت آلتها الإعلامية بتصوير أرفف المحلات وهي خالية بعد المقاطعة بساعات قليلة، وهو ما لا يمكن تصديق حصوله في أي دولة فقيرة فضلاً عن الدوحة التي تتغنى بأعمالها الخيرية ورحلات منظماتها المكوكية لسد جوع الفقراء في العالم.
والأزمة المفتعلة الثانية هي تشتت الأسر وانقساماتهم بين دول الخليج، حيث عمدت الدوحة إلى رفض دخول الكثير من مواطنيها القادمين من الدول التي أعلنت المقاطعة، لجعلهم ورقة ضغط أمام الحكومات والمجتمع الدولي، وهي بهذا الصنيع تسيئ للمواطنين القطريين قبل غيرهم، وتجعل منهم وقودًا لتحقيق مكاسب سياسية واهمة.
واتجاه الحكومة القطرية لتوظيف شعبها سياسيا والإساءة إليها وتحويله إلى شعب جائع ومحاصر ومشتت يكشف عن حالة التيه في خطابها السياسي، ويُفصح عن عدم اكتراث من يحكم قطر بمكانة شعبه مقارنة بالشعوب الأخرى، وهو امتداد للتخبطات التي توضّح حجم التأثير الذي أنتجته المقاطعة على صانع القرار القطري، ما يفرض عليه ضرورة المسارعة في تنفيذ ما تعهد به من اتفاقيات تحفظ استقرار وأمن دول الخليج والمنطقة.