علي الخزيم
ما يتداول من أرقام وإحصاءات عن تكلفة مشروعات إفطار الصائمين بالشهر الكريم تلفت الانتباه، ومع الشكر للقائمين والباذلين والمجتهدين في هذا الشأن؛ إلاّ أنّ الدعاء لهم يأتي مقترناً بإبداء ملاحظات لعلها تكون محل اهتمام في المواسم اللاحقة، كما أن المأمول من جهات الاختصاص التدخل لدراسة مثل هذه المشروعات وتقصِّي مردودها وتكاليفها، وهل هي في مكانها الصحيح؟
ولنتذكر جميعاً أن أعمال تفطير الصائمين إنما كانت لعابري الطريق والمسافرين والأغراب عن البلدان والقرى، حينما لم تكن هناك مطاعم وأماكن للنُّزُلِ والإقامة للقادرين مادياً، فكيف بمن دونهم ممن يحتاجون للضيافة والقِرى ساعة الإفطار أيام رمضان، والذي يحدث الآن هو مخالف تماماً لهذه المقاييس وما درج وتعارف عليه السَّلف الأولون، قد يقول قائل: إنه مع تغيُّر الأحوال طُوِّرت الفكرة فتحولت إلى تفطير العمال داخل البلاد؛ وقد يكون الرد المناسب: بأنه إن كانوا محل حاجة لهذه المبادرات والصدقات، وهذه الموائد الممدودة بأصناف المأكل والمشرب ومما لذ وطاب؛ فلا بأس بذلك والله يحب المحسنين، لكن الواضح أنها تقام لعمال يجنون الأموال والأرباح الكبيرة من خلال أعمال ومهن وتجارة رائجة ويُحوِّلون المليارات من الريالات لحساباتهم ببلادهم، فهل مثل هؤلاء بحاجة لمن يقيم لهم مشروعات الإفطار المُكلفة وبهذه الدرجة من الجودة والنوعية كما هو مشاهد، سواء مما تنظمه جماعات المساجد أو ما يَرِد لمخيمات الإفطار من منازل المواطنين محبي الخير، فكثير من فئات العمال الذين نكرمهم بهذه المشروعات ومثلها مشروعات ملابس الشتاء لهم ومياه وعصائر الشرب صيفاً لا يجدي معهم وإن اجتهدتم لرعايتهم، فبعضهم يرى أنّ هذا واجب علينا نحوهم ومنهم من لا يعتقد ذلك لكنه يرى - واهماً - أننا نملك الأموال الفائضة عن الحاجة وأنه أحق باستغلال الفرصة، فكما أنه يبتزّنا بالمحل الذي يعمل به أو في المهنة التي يمارسها فلا فرق بالرؤية لديه بين هذه وتلك، لا تهمه المُثُل والمبادئ، فجُلُّهم إن لم يكن كلهم لا ينظرون إلى كل ما تصانعهم به من ود واحتواء وإكرام إلاّ بنظرة مقياس السذاجة والازدراء؛ واستغلال الموقف والفرص المتاحة بإصرار وقلب أقسى من الحجر.
وإنْ قيل: ما البديل؟ قلت: يمكن أن نبحث عن جمعيات ومؤسسات موثوقة مُرخَّصة من الدولة لتتولى دفع صدقاتنا وتكاليف أعمالنا الخيرية وتصرفها في أعمال مناسبة مشروعة؛ والله لن يضيع أجر من أحسن عملاً، وكلٌّ ونيته وما يوصي به للجمعية، ثم إنّ في بلدان هؤلاء العمال من هم أحوج منهم بالصدقة والزكاة إلاّ أنّ ظروفهم لم تمكنهم من مغادرة بلادهم للعمل وكسب الرزق، فأعمال الخير بارزة بالمستشفيات ودور الأيتام والمعاقين والعاجزين عن الزواج وغير ذلك، فاجتهدوا لوضع خيركم في مكانه السليم.