الرياض - خاص بـ«الجزيرة:»:
أكد أكاديمي وباحث مهتم بالأوقاف على أن نظارة الوقف عمل إنساني خاضع للاجتهاد في إدارة وحفظ الوقف وديمومته وتعظيم أثره، كما أن الناظر ملزم بتنفيذ شروط الواقف، ويعطي للناظر - مجلس النظارة - ما يحقق الغبطة والنفع للوقف حسب كل زمان ومكان. وأوضح د. محمد بن صالح سلطان أستاذ النظام الاقتصادي في الإسلام في كليات المعرفة بالرياض الفرق بين الإدارة الاعتبارية للأوقاف والإدارة الاعتبارية لغيرها من المؤسسات والجمعيات، وذلك نظراً لحاجة كثير من النظار والمهتمين بتطوير الأوقاف، ولمسيس الحاجة وذلك على النحو التالي:
أولاً: أصل النظارة ومشروعيتها: حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على الوقف وعلى تعيين النظار فيه وأباح لهم الأكل منها مقابل ولا يتهم للوقف وذلك من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه -وهو أصل في الباب- فعن ابن عمر، أن عمر قال: يا رسول الله، إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب شيئا قط، هو أنفس عندي منه، فقال: «إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها»، قال: فتصدق بها لا يباع أصلها ولا توهب، ولا تورث، قال: فتصدق بها في الفقراء والضيف والرقاب، وفي السبيل، وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل بالمعروف أو يطعم صديقا غير متمول فيه)) متفق عليه.
قال النووي: «في هذا الحديث دليل على صحة أصل الوقف وأنه مخالف لشوائب الجاهلية وهذا مذهبنا ومذهب الجماهير ويدل عليه أيضا إجماع المسلمين على صحة وقف المساجد والسقايات وفيه أن الوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث إنما يتبع فيه شرط الواقف وفيه صحة شروط الواقف وفيه فضيلة الوقف وهي الصدقة الجارية وفيه فضيلة الإنفاق مما يحب وفيه فضيلة ظاهرة لعمر رضي الله عنه وفيه مشاورة أهل الفضل والصلاح في الأمور وطرق الخير».
وحكم النظارة كما قالت المالكية: «عمل الناظر إذا تركه الكل إثموا، وإذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين»، فالنظارة إذن شعيرة شرعية.
بينما نجد أن الجمعيات العمومية أو مجالس الإدارات هي عمل ربحي محض, وقد نشأت بعد ظهور الرأسمالية والشركات الاستعمارية الضخمة التي تحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة كما أنها تتطلب رؤوس أموال بشرية واجتماع لعقول متعددة لإدارة هذه المؤسسات الكبيرة، وليست لها علاقة بالدين، بل أنها عمل اقتصادي ربحي.
ثانياً: مقاصد النظارة: النظارة لها أهداف عامة يعود نفعها للمجتمع, وأخرى خاصة ربحية وأهم تلك الأهداف:
1- رعاية المصالح مع تحقيق رغبة الواقف في التعبد لله بالإنفاق والإحسان، بينما الجمعيات العمومية وما ينتج عنها من مجالس إدارة فإن عملها ربحي محض وقائم على توزيع وتقاسم الأرباح أو المصالح.
2- زيادة الكفاءة الإنتاجية، للوقف إلى حدها الأعلى ورعاية ألا تتحول المؤسسة الوقفية إلى مؤسسة ربحية محضة، ويتفق الجمعيات العمومية وما ينتج عنها من مجالس الإدارة في زيادة الكفاءة الإنتاجية، إلا أن هدفها ربحي محض.
3- تحقيق شرط الواقف ورعاية المصلحة الاجتماعية العامة هدف للنظارة, ويلزم في الجمعيات العمومية ومجالس الإدارة تحقيق مصلحة الأطراف المساهمة والشركاء.
4- استدامة أصل الوقف وعدم جواز بيعه أو نقله إلا في حالات ضرورية، يجوز في حال قرر المساهمون بيع أسهمهم أو بيع الشركة يحق لهم.
5- رعاية أن يكون النظار بشروط خاصة مثل العدالة، والنزاهة، ولا يلزم من مجالس الإدارات سوى ما يتفق عليه ذوو المصلحة فقد لاتنطبق صفات العدالة على أعضاء مجالس الإدارات.
6- توزيع الإيرادات على المصارف الشرعية، لا يلزم ذلك في الجمعيات ومجالس الإدارة.
7- صحة الناظر الواحد وحريته في تطبيق شروط الواقف الشرعية، في المؤسسات الاعتبارية الأصل أن تكون هناك جمعية وقد تغير ذلك المبدأ في بعض الدول وأخذ بذلك المنظم السعودي، وكذا الأردني، والإماراتي، فسمح لشركة الشخص الواحد.
8- لا يحق للواقف التصرف في الوقف بالبيع بعد إثبات وقفه، ويجوز للشركاء أن يتصرفوا في شركاتهم في حال عدم تسجيلهم وإثبات قانونيتها.
9- الوقف دائم ومؤبد وغير قابل للانتهاء وكذا الناظر يكون وفقا لتعيين الواقف وشرطه, بينما الجمعيات العمومية وكذا مجالس الإدارات تنتهي بانتهاء الأجل المحدد في سند إنشائه، وبتحقيق الغرض الذي أنشأ لأجله.
10- بإمكان تكوين الجمعية العمومية للنظارة من الناظر، والموقوف عليهم، والقاضي، وكذا مايراه الواقف أو الناظر، بينما في الجمعية العمومية ومجالس الإدارة تخضع للقانون المنظم.
ثالثاً: من حيث النشوء والتأسيس: ينشأ الوقف بناء على إرادة الواقف المحضة ويثبت لمجرد الإفصاح عن نيته وعزمه سواء كانت الصيغة صريحة أو كناية فإن وقفه صحيح لازم. بينما مجالس الجمعيات العامة الاعتبارية لن تكون معتبرة ما لم يعترف بها القانون.