عند مراجعتي لمكتب التأهيل الشامل بالدرعية التابع لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، والسؤال بشأن ما هو مقرر من حقوق للشخص المصاب بمرض الزهايمر باعتباره من ذوي الإعاقة، وجدت عدداً من الموظفين من ذوي الهمم العالية واللب السليم، وقد حاولوا جاهدين التعاون معي، إلا أنه هالني ما اكتشفته من وقائع بشأن ما تعتبره الجهات المختصة وفقاً للقائمة الرسمية لتصنيف الإعاقات المعتمدة عندهم، بأن مرض الزهايمر لا يصنف على أنه إعاقة، وقد تضمنت القائمة الكثير من الأمراض التي تم وصفها بأنها إعاقة، الأمر الذي يخالف الواقع والمنطق وأنظمة الدولة بل يخالف قواعد وأحكام الشريعة الإسلامية، والحق أن مرض الزهايمر إعاقة كبرى، ونلخص ما يجعلنا نوقن بتلك الحقيقة، ونطلب من المختصين والمسؤولين كل في مجال عمله وحدود ولايته أن يحسموا هذا الأمر، بقرار منهم يضع الأمور في نصابها وذلك بإلحاق مرض الزهايمر بالأمراض التي تعد من قبيل الإعاقة، ويستحق المصاب به كافة الحقوق المقررة لتلك الفئة الغالية من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأذكر أسباب ومسوغات قولي باعتبار مرض الزهايمر إعاقة في الآتي:
1- جاء في تعريف مرض الزهايمر على الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة السعودية (www.moh.gov.sa)، إنه مرض دماغي متطور يدمر خلايا المخ، مما يؤدي إلى مشكلات في الذاكرة والتفكير والسلوك ويؤثر بشدة في عمل وحياة الشخص المصاب ونمط حياته الاجتماعي، فيتدهور وضع المصاب بمرور الوقت... إلخ، وحتى الآن لا يوجد علاج نهائي لمرض الزهايمر، ولكن يتم وصف العلاجات الدوائية الملطفة للأعراض المصاحبة للمرض وتساهم في مساعدة المصابين بالمرض وذويهم ممن يقدمون لهم الرعاية على التعايش مع المرض.
كما جاء في تعريف الإعاقة أنها (تعني الحد من قدرة الفرد على القيام بوظيفة واحدة أو أكثر من الوظائف الأساسية بالحياة اليومية، كالعناية بالذات أو العلاقات الاجتماعية، وعدم تمكن المرء من الاكتفاء الذاتي وحاجته المستمرة إلى معونة الآخرين)، لذلك فإن الربط بين مرض الزهايمر والإعاقة يعد أمراً لا يحتاج لبيان خاصة وأن الزهايمر يؤثر بشدة على عمل وحياة الشخص المصاب به وعدم استطاعته القيام بشؤونه إلا بمساعدة غيره، وهو بهذا الداء يكون قد دخل في حالة ضعف عقلي ترتب عليه ضعف في التصرف والإدراك والأفعال، وبهذا الضعف يصبح المصاب بهذا المرض كالطفل الصغير الذي يحتاج غيره في كل فعل من أفعاله، قال تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} (سورة الروم الآية 54)، فمن عظيم حكمة الله سبحانه وتعالى ورحمته أنه خلق الإنسان في أطوار ومراحل، ونقله من حال إلى حال، وهذا الحال يمر به كل كائن حي، والتفاوت بين الضعف والقوة والنقص، حتى يصير من بعد قوته ضعيفاً هرماً، ولا يكاد يدبر أموره، ولا يلبي شؤونه من ملبس ومأكل وقضاء حاجته إلا بمساعدة الآخرين، وينسى ما قد علم، وينكر ما قد عرف، ويعجز عما كان يقدر عليه، واستحالة الرجوع إلى الحالة الأولى من النشاط في قواه وحواسه.
2- لا شك إن مرحلة الشيخوخة حالة طبيعية للمسنين الأصحاء مع ضعف جميع وظائفهم الأساسية، ومن باب الرحمة واللطف بهم في شرعنا الإسلامي بأنه قد أعذر لذي الشيبة في العبادات وبلمسة حانية وتطبيقاً للقاعدة الشرعية (المشقة تجلب التيسير) والتخفيف عن صاحب الحرج وهو المسن ذو الشيبة سواء رجلا أو امرأة في الكفارات والفرائض والواجبات، وأجاز للمسن أن يفطر في نهار رمضان ويطعم إذا شق عليه الصيام، وأن يصلي جالساً إذا شق عليه القيام، وأرخص للمسن أن يرسل من يحج عنه إن لم يستطع مشقة الحج، فمن المعلوم أن الشرع الحنيف قد أعطى أصحاب الحاجات ورخص لهم وخفف عنهم التكاليف الشرعية على نحو ما هو معلوم من الأحكام الخاصة بالصلاة والصوم والحج وغيرها، وجاء في مواضع كثيرة من السنة النبوية الحث على توقير الكبير واحترامه وعلى بر الوالدين وربط ذلك بأسباب مباشرة في دخول الأبناء الجنة والنار، كتبنا الله وإياكم ووالدينا من البارين وجعلنا من أهل الجنة.
3- ومرحلة الشيخوخة مرحلة حتمية يصل إليها كل من يعمر ولا يمكن منعها أو علاجها، وقدرت منظمة الصحة العالمية سن (60) سنة فما فوق بداية هذه المرحلة ولكنها تختلف القدرات من شخص إلى آخر فقد تكون أكثر أو أقل سناً.
4- أما المبتلى من كبار السن بمرض أو علة ومنها العقلية أو الذهنية (مثل داء الزهايمر) وأثرت على نقص الأهلية أو فقدها بالكلية، وكما هو معلوم أن مناط التكليف هو العقل وما يتميز به الإنسان عن سائر المخلوقات وهو أساس التكليف بالعبادات والمعاملات، وقد ذكر أن كبير السن ومن أصابه علة في وظائف عقله من خرف وضعف إدراك ونسيان وعدم تمييز واضطراب بالسلوك (مثل مصاب الزهايمر) بالمعتوه وهو في حكم المجنون إذ إنه قد زال عقله وهو من الأمراض والعلل التي لا يرجى برؤها.
قال تعالى: {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (سورة النحل الآية 70).
أي يصير كالصبي الذي لا عقل له، ويقول الشيخ السعدي -رحمه الله- في تفسيره (ويصير عقله كعقل الطفل)، وتصبح الحالة في ضعف ووهن في جميع قواه وحواسه ويرفع عنه القلم.. والله المستعان. وجاء الشرع بالتدخل ومعالجة هذه الحالة بواجبات قطعية على الأمة وببالغ الأهمية في مبادئ عدة منها التكافل والرحمة والمسؤولية في الرعاية بداية بالأبناء والأسرة والمجتمع والجهات الرسمية، وعلقها على بر وصلاح المجتمع، وتلبية حاجات كبار السن الصحية والنفسية والمالية والاجتماعية. ومع مرور الوقت تكون الحاجة أكثر للدعم والمساعدة من طرف الرعاية الصحية والجهات المسؤولة، وتلزم رعاية المصاب بالزهايمر على مدار الساعة وذلك لتدهور صحته واحتياجه للرعاية الدائمة، وفي مراحل متقدمة يحتاج إلى التمريض والرعاية السريرية. فبعد أن أسقطت عنه العبادات والمعاملات رحمة به، أوجب على أسرته استخراج صك الولاية عن طريق المحكمة لإدارة أمواله وتصرفاته في حال عجزه عن النظر لمصالحه بضوابط وتصرفات مقيدة على الولي وتكون باسم المصاب وذلك لفقده الأهلية وعدم صلاحيته لوجوب الحقوق المشروعة سواءً له أوعليه يكلفها الشرع حفاظاً على المصاب وأسرته والغير.
وهذا مما اعتبره في شريعتنا السمحة الرحيمة أنها قد صنفت مرض الزهايمر على أنه إعاقة.
5- أما الأنظمة في المملكة العربية السعودية فقد اهتمت بشأن الإنسان عموماً وحاجاته، خاصة في حال الحاجة والعجز والإعاقة، وسنت الكثير من الأنظمة بحقوق ورعاية المسنين الأسوياء مثل نظام التقاعد الذي أصدر بموجب المرسوم رقم (م/41) وتاريخ 1393هـ لموظفي القطاع العام، وأصدرت نظام التأمينات الاجتماعية بموجب المرسوم الملكي رقم م/22 وتاريخ 1389هـ. وقد اتفق النظامان على تحديد سن الستين لاكتساب حق التقاعد واستحقاق المعاش بالتكفل للمسن حياة كريمة في كبره (وصدر نظام الضمان الاجتماعي بموجب المرسوم الملكي رقم (19) وتاريخ 1382هـ وحل النظام الجديد للضمان الاجتماعي بنظام صدر بموجب المرسوم الملكي (م/45) وتاريخ 1427هـ، ومن ضمن خدماته في الإعانات والفئة المشمولة فئة المسنين، جاء في المادة (2) من نظام الضمان الاجتماعي (كما يستفيد من أحكامه المعوقون...إلخ)، كما جاء في المادة (3) يستفيد من المعاش كل من الأفراد أو الأسر الآتية الفقرة (3) من بلغ سن الشيخوخة، ولا شك أن هذه القرارات جاءت تطبيقاً واهتداءً بما أكد عليه النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (أ/90) وتاريخ 1412هـ بشأن حقوق كبار السن، حيث ورد في المادة (10) منه ما نصه (تحرص الدولة على توثيق أواصر الأسرة، والحفاظ على قيمها العربية والإسلامية ورعاية جميع أفرادها، وتوفير الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم)، وورد في المادة (11) منه على أن (يقوم المجتمع السعودي على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله وتعاونهم على البر والتقوى، والتكافل فيما بينهم وعدم تفرقهم)، وأكدت المادة (27) من النظام الأساسي على أن (تكفل الدولة حق المواطن وأسرته، في حالة الطوارئ، والمرض، والعجز، والشيخوخة، وتدعم نظام الضمان الاجتماعي، وتشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية)، والحق أن المملكة قد أكدت على حقوق كافة مواطنيها الصحية فنصت في المادة (31) من نظام الحكم على أن (تعنى الدولة بالصحة العامة، وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن).
6- كما حدد أيضاً في نظام رعاية المعوقين الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم (م/37) وتاريخ 1421هـ، وجاء في المادة الأولى منه (تعريفات) مصطلحات بالنظام ما نصه:
المُعوق: كل شخص مصاب بقصور كُلي أو جُزئي بشكل مُستقر في قُدراته الجسمية أو الحسية أو العقلية أو التواصلية أو التعليمية أو النفسية، إلى المدى الذي يقلل من إمكانية تلبية متطلباته العادية في ظروف أمثاله من غير المعوقين.
الإعاقة: هي الإصابة بواحدة أو أكثر من الإعاقات الآتية:
- الإعاقة البصرية، الإعاقة السمعية، الإعاقة العقلية، الإعاقة الجسمية والحركية، صعوبات التعلم، اضطرابات النطق والكلام، الاضطرابات السلوكية والانفعالة، التوحد، الإعاقة المزدوجة والمتعددة، وغيرها من الإعاقات التي تتطلب رعاية خاصة.
وجاء في المادة (2) في نفس النظام ما نصه: (تكفل الدولة حق المعوق في خدمات الوقاية والرعاية والتأهيل).
وعليه وبعد استعراض الحقائق الدامغة، وما قررته الشريعة الغراء من أحكام، وما أكدته حكومتنا الرشيدة في أنظمتها بشأن الحقوق المقررة من أجل تخفيف الأعباء على المصاب بإعاقة وأسرته، وما يتفق عليه العقلاء من أولي الألباب وأصحاب النهى من المسؤولين والمواطنين وحاجة هذه الفئة الغالية على الجميع، لمد يد العون وتقديم كل التسهيلات لهم وما تعارف عليه بأن مصاب الزهايمر معاق حسياً وعقلياً وهو يعتبر من فئات شديدي الإعاقة لعدم قابليته للتأهيل، ولكثرة أعداد المصابين بالزهايمر ولقلة الوعي به وبآثاره وطول مرحلة المرض وحاجة المصاب فيها للرعاية الكاملة فالأمر يحتاج إلى علم ودراية وتفرغ ودعم، فالبر وحده لا يكفي في تقديم الرعاية، مع تعدد احتياجاته، خاصة وأن الحاجة ملحة في أن تقدم الخدمات الصحية والعناية الطبية للمصاب من داخل منزله وهو بين أفراد أسرته، حتى يكون في أجواء أسرية متعاطفة وحريصة ومتحابة، مما يعني حاجة أسرة المريض بالزهايمر إلى دعم الجهات المعنية، وقد يكون ذلك في أقل أشكاله بصرف معونة مالية للمصاب والمرافق له ممن يقدم الرعاية من أفراد الأسرة حتى يعيش حياة كريمة، إلا أنه حتى الآن يعد هذا الأمر غير ممكن من ناحية إجرائية إلا بعد أن يتم تصنيف المصاب في فئة ذوي الإعاقة، وذلك من قبل الجهات المختصة بوزارة الصحة أو وزارة العمل والتنمية الاجتماعية أو بالتعاون فيما بينهما لاتخاذ القرار لما لهذه الإعاقة في مرحلة الكبر من آثار صحية واجتماعية على المصاب كبير السن وأسرته، ولا يتم ذلك إلا بعد استخراج صك الولاية من المحكمة وهذا ما جرى عليه الواقع العملي بالمحاكم الشرعية في المملكة العربية السعودية، والذي ضبط بإجراءات دقيقة وحصيفة من تقرير طبي من مستشفى حكومي وشهادة الشهود وأحياناً يطلب القاضي حضور المصاب للتأكد منه وبعد ذلك يصدر صك الولاية، ونذكر أخيراً بعظم أجر من يعمل لمساعدة هذا الفئة التي تحتاج للمساعدة، فإن كان تقديم عمل الإحسان إلى من يقدر عليه له أجر وثواب، فكيف لتقديم الإحسان لمن لم يقدر عليه.
وما قصدته في هذا المقال ليس الاستجداء ودرء العواطف لكبار السن ومصابي الزهايمر، وإنما مطالبة بحقوق لهم قد غفلت عنها الإجراءات وكفلها لهم الشرع والنظام.
ونختم مقالنا هذا بالتعوذ مما استعاذ منه النبي- صلى الله عليه وسلم-: اللهم إني أعوذ بك من الهرم ومن أن أرد إلى أرذل العمر، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ما أحييتنا واجعلها الوارث منا..
** **
- محامي