بخطوات واثقة قادتني قدماي إلى إصلاحية الرياض؛ وتحديدًا صبيحة الخميس 29 من شهر شعبان من العام 1438هـ.. فلم يكن يدور في ذهني أن أدخل أيّ سجن من سجون المملكة، ولكن ساقني القدر أن أدخل إصلاحية الرياض وبدأت قصتي من هنا..
اتجهت إلى موقع الإصلاحية الذي قادني إليه صديقي الدائم إلى جنوب الرياض (قوقل ماب)، حيث استغرقت الرحلة من الوقت حوالي الساعة حتى وصلت، وعقارب الساعة تشير إلى التاسعة والنصف صباحًا.
وهنا بدأت رحلتي إلى داخل الإصلاحية، فعند البوابة الأولى قابلت رجال الأمن الذين استقبلوني بعد التأكد من هويتي ثم سمحوا لي بالمرور إلى البوابة الثانية، وبنفس الطريقة طلبوا هويتي ثم رافقتني دورية من الشرطة العسكرية حتى وصلت مبنى إدارة الإصلاحية وأنا بين رهبة المكان والشخوص الذين قابلتهم، وذاكرة تحتفظ للسجون في بلادي بأسوأ صورة ذهنية في التاريخ؛ رغم أني لم أدخلها، ولم أرها عن قرب كما هو الحال الآن..
جمعت شتات تفكيري على صوت استقبال مدير الإصلاحية العقيد سلمان العواد وعدد من الضباط لي، وسط ابتسامة وترحيب لم ينقطع حتى مع اختتام جولتي في العنابر.
بدأتُ جولتي، والتي أفضّل أن أسميها «تجربتي»، وأنا أشعر بكثير من الفخر بما رأيت، وأتمنى أن يرى ذلك كل العالم؛ وخاصة الذين يتحدثون عن السجون في بلدي المملكة العربية السعودية بأقذع الأوصاف من داخل غرفهم المظلمة، والمطرزة بخيوط الجهل عما يحدث فيها، والجهل أوهن من بيت العنكبوت.
إنّ السجون في بلدي هي نموذج عالمي يجب أن يُحتذى، من حيث التدريب والتطوير والتعليم والنظافة في المكان والمأكل والمشرب، والمنزل العائلي، وكأني أتجول في فندق داخل إصلاحيّة، ليس هذا فحسب؛ بل إنّ كل سجين يحصل (150) ريالا شهريًا، وشهادة أكاديمية أثناء تخرجه في أي مرحلة جامعية، أو مهنية.
إنّ السجون في بلدي نموذج إنساني ليس فيه تفرقة بين مقيم ومواطن في المكافأة والتدريب والتطوير؛ رغم تجاوز المقيمين فيها 45%، معظمها قضايا سرقة ومخدرات. ولا يوجد تمييز بين السعودي والوافد بل يقدم لهم كامل حقوقهم من ناحية الملبس والإعاشة والالتحاق بالبرامج الحرفية التي يبلغ عددها 18 برنامجا. كما استرقفني خدمات الإعاشة التي تقدم وجبات غذائية على مستوى عال من الجودة حيث حصل مطبخ الإصلاحية على شهادة عالمية في الجودة (ساهب).
هنا توقفت قبل ختام رحلتي، وتذكرت مقولة شهيرة تتداول عن بعض الوافدين أنّ سجون المملكة أفضل له من الترحيل إلى بلدانهم، نظرًا لما يجدونه من احترام لكرامتهم وإنسانيتهم، وما يحظون به من رعاية واهتمام طبي وغذائي ومهني ومادي.
وقفة:
سجون المملكة: تهذيب وإصلاح.