فيصل خالد الخديدي
تقوم الفنون الإسلامية بتعبيرها عن الجمال في الكون والحياة والإنسان من خلال تصور الإسلام للكون والحياة وتحقق ذلك بسمات تميزها عن غيرها من الفنون التي ارتبطت بعصور أو أديان أخرى فلم تكن الفنون الإسلامية خاضعة لسلطة كما في بعض الفنون الأخرى بل حررت فنونها من القيد الوثني ومن الأسر الكهنوتي وبنت فنونها على أسس فلسفية وعمق فكري وجعلت من الفن حياة ووظفته في جميع مفاصل الحياة باتزان بين إبراز الجمال في كل شيء وعدم المبالغة في هذا الظهور فتجد بساطة التكوينات والتصاميم وتجردها والاهتمام بشغل الفراغ واستغلال السطوح بشكل عملي متكئًا على الفلسفة الشرقية وأن الإنسان جزء من هذا الكون وسيطرة القدرة الإلهية على الكون، وعاشت الفنون الإسلامية مراحل عدة تعايشت فيها مع الفنون المحيطة بها وتأثرت وأثرت فيها حتى شكلت فنًا ذا هوية وعمق فلسفي وشخصية متفردة، وحتى في اشتغال الفنون الإسلامية على الزخارف جاء وفق رؤية فنية وفلسفة تنبع من هوية فكرية فالزخارف الإسلامية النباتية المستمدة أصولها من النباتات الحية صيغت بتجرد فكانت برمزيتها تمثل الحياة في فلسفتها، وجاءت أيضًا الزخارف الإسلامية الهندسية مبنية على النظام والدقة والخطوط والزوايا الهندسية التي تمثل فلسفتها النظام والانتظام وفق قوانين متسقة ومتناسقة، فغدت الزخارف الإسلامية النباتية والهندسية تشي بنظرة فلسفية عميقة تجاوزت سطوح الأشكال إلى نظرة إسلامية مفادها الحياة بانتظام ونظام.
إن اهتمام الفنان المسلم بالمنجز الفني في معزل عن الذاتية جعل معظم الفنون الإسلامية تظهر بشكل جماعي دون أن تنسب لأشخاص فانتفت فيها الفردية وبرزت الجمالية الجماعية فوظفت الفنون الإسلامية الجمال في كل شيء يستخدمه الإنسان ومحققة نفعية الفن في المباني والأواني والسجاد والأزياء وحتى المخطوطات والكتب كلها تزينت بالفنون الإسلامية فأصبح الجمال شريكًا في كل تفاصيل الحياة بإتقان ومهارة وإبهار وحتى توظيف الحرف العربي في الفنون الإسلامية خرج بالحروف العربية من استخدامها الكتابي التدويني إلى المستوى الجمالي والتزييني، وانتقل بالحرف العربي وخطوطه عبر النبض التشكيلي من الواقع الدلالي إلى الواقع الجمالي.