ميسون أبو بكر
منذ تعلمت كيف أصاحب كتاباً وأنا عثرت على كنز لا يقدر بثمن، أصدقاء من كل بقاع الأرض ومن كل الثقافات، تركيبة حياة كونتها من مجمل فكر من قرأت لهم وأبحرت أياماً في محيطات لا بداية لها ولا نهاية، إلى مرافئ أحلم أن أصلها، وإلى سماوات أصبو أن أحلق كعصافيرها، وبقيت كمن وضع وتد خيمته في صحاري قد أبلغ واحاتها أو قد أقتفي سراباً.
نقرأ لنعيش، فالعقل الخالي يتآكل من صدأ الفراغ، والإنسان الذي لا يقرأ هو إنسان خاسر يحكم على نفسه بالموت في صومعة مفرغة الهواء.
القراءة سلوك، ونمط حياة وسفر إلى مجهول نسبر أغواره وتمتعنا الرحلة إليه، نزور العالم كله بدون تذكرة سفر وتأشيرة دخول وطابور انتظار في المطارات المكتظة بالمسافرين.
رمضان كان فرصة للاجتماع بكل أفراد الأسرة الصغيرة والكبيرة ولتبادل الحديث والأفكار واستطلاع آراء الأطفال والشباب حول القراءة، لم تكن مفاجأة أن جميع من تحدثت معهم عازفون عن القراءة، فوسائل التواصل الاجتماعي تشغل كل أوقاتهم وليس بعضها، حتى الكتب ذات العناوين المشوقة والتصاميم المغرية لم تغرهم بالقراءة، وأشعر أن هذا الجيل غير قابل للنصيحة أو لفت الانتباه لما يرونه تقليدي كالكتاب، ولا جدوى من المحاولات الحثيثة لحثهم على التقليل من استخدام الأجهزة الذكية التي صارت شغلهم الشاغل وعالمهم الافتراضي الذي أغناهم عن العالم الحقيقي ومن حولهم.
نجوم (السوشيال ميديا) اليوم يشكلون ثقافة أبنائنا سلباً أو إيجاباً، والمؤشر السلبي يفوق بكثير الجانب الإيجابي البسيط الذي يعود من وراء هذه الوسائل، والسؤال الذي يؤرقني كثيراً وأنا أرى انغماس أبنائنا مع هذه الوسائل هل غفلنا في تربيتهم عن غرس حب القراءة؟ أم لم نمارسها كسلوك قد يكون تربية مكتسبة؟.. لماذا الأطفال بالغرب لا ينشغلون بهذه الأجهزة وبرامجها كما هو حال أطفالنا؟.. هل هناك قصور في التربية المدرسية وحصص النشاط المدرسي التي كانت تعني الكثير لجيلنا؟ وما دور الرياضة والمراكز الرياضية والترفيهية في لفت انتباه الشاب وشغل وقته وتنقية فكره من جنون العصر ونجوم باهتين صنعتهم وسائل التواصل الاجتماعي؟ هل هو غياب القدوة الحقيقي؟
أين شبابنا من كتب غازي القصيبي الإداري والأديب على سبيل المثال؟.. وأطفالنا من حكايات بياض الثلج وسندريلا وعلي بابا والأربعين حرامي؟.
حرامي النت وصرعات الموضة والماكياج والعضلات المنفوخة بالفلر والبوتكس والبروتينات الاصطناعية أغرتهم عن كل ما هو حقيقي ومفيد، جلسات الشيشة والمعسل وتداول رسائل الواتس أب ومقاطع السناب هي ثقافة هذا الجيل، ولا أدري إن كانت وسائل المنع والتشفير هي مجدية في هذا العصر بعد أن ضاعت أصواتنا ودعواتنا ونصائحنا في الفراغ.
كيف يا ترا سيغلب بورخيس وكازانتازاكيس وهمنغواي وماركيز ودرويش وقصائد المتنبي أبو سن ولاعب الكورة الفلاني ونجمة السناب تلك؟؟.
نحن في صراع مع جيل برمج فكره على تقنية مقيتة وأضواء تحرق الأخضر واليابس ولا تبقي ولا تذر. فكرة اتفاق العائلة على قراءة كتاب ثم مناقشته لاحقاً في جلسة تستثنى منها الأجهزة الذكية، ثم مكافأة المجتهد الذي قرأ الكتاب بعد نقاشه بسفر أو مبلغ مالي أو تلبية طلب له قد تكون مغرية بالقراءة إن كانت سنة دائمة للعائلة التي على الأب والأم فيها اليوم الجهد الأكبر، كما تفعيل دور المكتبات العامة وجعل القراءة مادة رئيسة في المناهج ينال الطفل عليها علامات ترفع من معدله كالرياضيات والفقه والحديث وغيرها.
لنبحث ما الذي يغري الشاب في الغرب لقراءة كتاب في القطار والفسحة المدرسية وأوقات الفراغ في المنزل؛ وما الذي يجعل من معارض الكتب مهرجانات عامة وكرنفالات عائلية.. وسلامتكم،،،