د. حامد بن مالح الشمري
تلعب وسائل الإعلام المتنوعة دوراً كبيراً، في نقل الأحداث وتغطيتها، وتزويد المشاهد والقارئ بزخم هائل من المعلومات والأخبار، لا سيما من خلال الإعلام الحديث الذي أصبح المصدر الرئيسي للمعلومات وتدفقها عبر شبكة الإنترنت والأجهزة الذكية من غير قيود أو تحكم، قاد إلى خلق أجواء نفسية لدى المتلقي سلباً أو إيجاباً عن الحدث، أو القيام بدور الوسيط بشكل غير مباشر بين المصدر والمتلقي لخدمة قضايا حدثت أو يخطط لها، أو على شكل إيحاءات او تضخيمات إعلامية تساهم في زيادة التشويش والبلبلة، أو على شكل إعلام متخاذل أو مخترق وهذا مكمن الخطر الحقيقي.
إن المتتبع لغالبية إعلامنا الخليجي، بكافة وسائله المتنوعة، يجد أنه يساهم في نشر برامج ومفاهيم خارج السياق الإعلامي الوطني بالإضافة إلى نشر ما خلفه الإرهاب من دمار وضحايا محلياً واقليمياً وعالمياً مما يؤدى إلى إثارة الخوف والذعر في نفوس المجتمع وبذلك ينتصر الإرهاب فكراً وأهدافاً... أو إنه إعلام يعمل وبطريقة غير مباشرة على نقل كل المعلومات بعيداً عن سياسة إعلامية ممنهجة وربما تعمل على دعم توجهات المنظمات الإرهابية وتضخيم أدوارهم ويحقق مقاصد من يقف ورائها وترسيخ ذلك في عقول الناس، بالإضافة إلى تقديم برامج وتقارير تلفزيونية تهدف إلى خلط المفاهيم وتلوين الحقائق وزعزعة الثقة والانتماء واللحمة الوطنية، وفي المقابل نجد أن هذا الإعلام لا يملك أدوات متابعة ومناقشة القضايا والتحديات التي تواجهها دولنا الخليجية، وإبرازها والدفاع عنها، وفضح المخططات التوسعية والإرهابية ومن يقف خلفها وتعريتها، وتسخير الإعلام للتصدي لكل من يحاول اختراق الأمن والوحدة الوطنية، وإثارة الفتن والصراع على الهوية والمذهب ونشر ثقافة الكراهية والقتل والتدمير وإشاعة الفوضى والفتن والدعوة للانحلال الاخلاقي من خلال نشر الهابط من البرامج والمسلسلات!!!
إن الإعلام الخليجي لا يجيد التعامل مع الأزمات التي تمر بها المنطقة ومواجهتها بالحقائق والأرقام، بل إنه ساهم في إيجاد حالة من عدم الثقة، في قلوب الناس تجاه بعض القضايا والأزمات المهمة، ولا يعبر عن مصير الأمة، ولا يعكس حجم الجهود المبذولة وما تتمتع به بلادنا ودول الخليج من ثقل اقتصادي وسياسي وثقافي بالإضافة إلى ما يمثله العالم الإسلامي شعوباً وتاريخاً وحضارة لها إسهاماتها وإبداعاتها في كافة المجالات، كما أن هذا الإعلام التقليدي ليس لديه القدرة على التأثير الفاعل في مواجهة التحديات المعاصرة بكافة أشكالها، حتى أصبح إعلاماً لا يظهر إلا ما يزيد من هشاشة العظام وذبول الفكر وتباعد الناس عن بعضها وزرع التعصب، أو الحديث الخجول الذي يفتقد التركيز والمهنية الإعلامية عن بعض الأحداث والتحديات والتنظيمات الإرهابية وممارساتها التي تنافي قيم ديننا الإسلامي الحنيف، الإرهاب أصبح يشكل ظاهرة خطيرة، لتمزيق الشعوب وضرب بعضها ببعض، خصوصاً إذا ارتبط الإرهاب بالطائفية المقيتة وفق تحالفات وظروف سياسية مختلقة، أو بدواع اجتماعية وتنموية في ظاهرها بينما الهدف الحقيقي هو تدمير الاقتصاد وتوقف التنمية وتمزيق النسيج الاجتماعي وتخريب وحدة وتماسك المجتمع.
إن المملكة العربية السعودية تعرضت أكثر من غيرها، لخطر الإرهاب وتم إحباط العديد من المحاولات الإرهابية، واستطاعت -بفضل الله- ثم بعزيمة ويقظة رجال الأمن وتعاون المواطنين، تحقيق ضربات استباقية.
إن مخرجات وسائل الإعلام بكافة أنواعه، أدت إلى شيوع نقل المعلومات، غثها وسمينها، وسهولة الاطلاع على ذلك من الجميع، مما أدى إلى التشويش على عقول الشباب وخلط الثقافات، بما في ذلك الاتجاهات الفكرية، واستغلال ذلك في تكوين فكر مناهض، على أسس عقائدية ودينية وطائفية، ولا شك أن الإعلام بكافة وسائله وأدواته، لا يقل أهمية عن قوة السلاح لإلجام الأعداء، وفضح مخططاتهم، من منطلق وطني وأخلاقي وإسلامي. فهذا الإعلام الغربي، يعمل وفق أنماط وممارسات إعلامية متعددة؛ فنجده تارة يوجه كافة إمكاناته، لخدمة مصالحه الاستراتيجية، وتارة يأخذ شكل التعبية والتوعية الموجهة، وتارة لتعزيز توجهات بلدانهم في إحدى المجالات الاقتصادية أو الصناعية، وأخرى للتوغل في سيادة الدول وابتزازها. ولعل المتابع للإعلام الغربي والصهيوني، يعرف الاستراتيجية التي يقوم عليها ذلك الإعلام النافذ؛ فهو يقوم على استخدام أساليب متنوعة من أجل تضخيم الحدث إعلامياً، وتأجيج وتضليل وترويض وإقناع الرأي العالمي، لتبرير وتقوية موقفهم، فهو جزء أساسي من العملية السياسية ؛ وفي الوقت نفسه نجدهم يتجاهلون التنظيمات الإرهابية المرتبطة بإيران التي تسلحها وتدربها وتدعمها، والذي يقف خلفها الإعلام الإيراني بقنواته التي تزيد عن المائة قناة وتقوم على تزييف الحقائق، وتأجيج الطائفية، وكره الآخر، ودعم المليشيات الإرهابية في دول عدة، من أجل زعزعة الأمن والاستقرار بأهداف طائفية وتوسعية قائمة على إشعال الاضطرابات والتدخل المشين السافر في شؤون الدول الخليجية والعربية والاسلامية، وتأليب الأقليات الشيعية داخل أوطانهم العربية حتى ينمو الصراع والتفكك بين افراد الكتلة السكانية الواحدة الذي يخدم المخططات الغربية بالإضافة إلى محاولة إضعاف العرب واستنزاف مقدراتهم بالتواطؤ والتحالفات السرية مع الغرب والشرق، لقد استطاعت إيران بأشخاصها المأجورة التأثير في وسائل الإعلام الغربي من خلال بناء شبكة مع الموالين لهم وأصبحت الكثير من وسائل الإعلام الغربي تقع تحت سطوة المهاجرين الإيرانيين المدعومين من النظام الإيراني.
لقد تمدد العدوان الايراني على الشعب السوري واللبناني، ثم محاولتها إيذاء بلادنا من خلال بوابة اليمن، ومن خلال بعض التنظيمات الإرهابية التي برزت خلال السنوات الأخيرة المدعومة من إيران، إلى غير ذلك من خلق الاضطرابات، وتدهور الوضع الأمني في كثير من الدول العربية وبشكل ممنهج قائم على التشويه وقلب الحقائق .
لقد أصبح الإرهاب الإيراني يصول ويجول في دول المنطقة وخارجها ويدعم الإرهاب في كل مكان وبدعم إعلامي إيراني مزيف يعمل على غلق المنابر الإعلامية التي تحاول إيضاح حقيقة الفكر الثوري الطائفي التوسعي وحجبها وعدم وصولها للشعب الإيراني وفي نفس الوقت استطاع الإعلام الإيراني اختراق معظم الإعلام الخليجي ومن خلال أشهر القنوات التلفزيونية وبعض الصحف الورقية بل إنه وبكل أسف تستضيف بعض قنواتنا الخليجية أشد الموالين لإيران وممن يتهجمون على دول الخليج بالإضافة إلى سيطرة عدد كبير من لهم ولاء كبير لإيران وممن يسيئون بشكل متكرر للسعودية ودول الخليج على بعض القنوات والصحف الخليجية، وبالتالي نستطيع أن نقول إن إعلامنا الخليجي ضعيف ومخترق بالإضافة إلى عدم قدرة الإعلام الخليجي للتحدث عن الممارسات التي تنتهك بحق السنة في إيران والأهواز والعراق وسوريا، مما يتطلب صياغة إستراتيجية إعلامية لدول الخليج ذات أبعاد ومضامين قادرة على معالجة نقاط الضعف وقدرتها على مواجهة الإعلام الإيراني والموالين والداعمين له.
الدول الخليجية بحاجة ماسة إلى إعلام متكامل بل متمكن ذي مهنية عالية، يحفظ لها حقوقها، ويدافع عن قضاياها المصيرية، وكذلك بحاجة إلى إعلام محترف ومسؤول، ولابد من وضع رؤية استراتيجية إعلامية لتقييم المهددات والمحددات الإعلامية والأمنية، ويحفظ لشعوبنا احترامها وقيمها ومكتسباتها، ويرفع درجة الوعي الإعلامي والاستعداد لمواجهة الأخطار العديدة المحدقة بأمتنا من كل اتجاه، لا أن نجد إعلاماً لا يملك أدوات الدفاع عن قضايا أمتنا المصيرية، وينحصر دور الكثير منه في تفريق وحدتنا، وتبني سياسة التشويش والتحريض والتضليل والتقليل من الجهود المبذولة لحماية وصيانة الأمن والمبادرات الكبيرة لتقوية اقتصادنا وصناعتنا وتجارتنا وعلاقاتنا بالدول وفق مبادي تخدم قضايانا ومصالحنا.
إن إعلامنا الخليجي بحاجة إلى إعلام محترف واقعي، يخاطب الآخر بلغة وأرقام وتقارير تخدم قضاياها وينشر ما تحقق لبلادنا ودولنا الخليجية من تطور صناعي وتعليمي واجتماعي وثقافي، ويكون أحد الجبهات في معركتنا للدفاع عن مصالحنا وقضايانا ومكانة بلادنا على خارطة الدول الإسلامية والأممية بالإضافة إلى كشف الأعمال والمخططات الإرهابية والتوسعية والابتزازية وتعرية بعض السياسات الغربية الداعمة لفكرة الصراع المذهبي لإشعال فتيل المواجهة الطائفية من خلال دعم الإعلام الإيراني، وهو ما يتطلب توفر خبراء ومحللين في الشؤون العسكرية والعلاقات الدولية، وفهم الإستراتيجيات المحلية والإقليمية والدولية، وتوفير برامج تدريبية بصفة مستمرة، لكافة المنتسبين للإعلام. كما يجب أن يكون المحللون والمراسلون الإعلاميون، من ذوي الاختصاص والخبرة، وأن يكون لطلبة العلم الشرعي من المشايخ والدعاة دور أكبر في الحضور الإعلامي، ومناقشة وطرح القضايا الفكرية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية وغير ذلك، بدافع ومنطلق المصلحة الوطنية، بالإضافة إلى حاجتنا إلى وجود مراكز للبحوث والدراسات والرصد، الخاصة بالتنبؤ بالأحداث، التي يمكن أن تقع في المستقبل مع رصد ومتابعة للدراسات التي تصدر من الدول الأكثر عداءً لبلادنا، وأمتنا الإسلامية، ويجب استغلال الإعلام في كل ما يخدم قضايا أمتنا الإسلامية، وإيصال رسالة الإسلام الصحيحة للعالم، وفي الوقت نفسه الرد على الأقلام المستأجرة، وكشف زيفهم وخطبهم الكاذبة المزيفة. إن تفعيل أدوات الإعلام لدول الخليج وفي مقدمتها مراجعة وإعادة تأهيل العديد من القنوات التلفزيونية الخليجية وفق الثوابت الوطنية والمحذورات الأمنية والعمل على تبني برامج وخطط إعلامية على المستوى الحكومي والأهلي، أمرٌ تفرضه المرحلة الحرجة التي تعيشها دول الخليج، من تهديدات وتحديات ومؤامرات من كل حدب وصوب تهدف للإخلال بأمن واستقرار المنطقة بالإضافة إلى محاولة الإخلال بوحدة دول الخليج وتفرقهم .