د.محمد بن عبدالرحمن البشر
العشر الأواخر من رمضان خاتمة عقد، تحتاج إلى جدّ تلو جدّ، فهنيئاً لمن أدركها، وأجتهد في نهاره وليله واستثمرها، صلاة وصوم، وقليل من النوم، بالموسم محدد الساعات، جاذب للطاعات، الناس فيه قيام لصلاة القيام، وعمل أنموذجاً لسائر الانام، وقراءة قرآن، وطاعة رحمان، فما أجملها من ساعات، وما أرقها من قلوب خافقات، لا تكاد تحل حتى نراها تمر وكأنها لم تحل، فتعجب لسرعة قدومها ومرورها، أعاننا الله على قيامها.
القرآن نطوي صفحاته، بعد قراءته وتدبره، ومن قيض الله له أن نختم فيها، ختم فهي عشرة أيام بلياليهن لها خصوصيتها بين أكثر من ثلاثمائة وخمسين يوماً وليلة، أقمارها مضيئة، وأن كان القمر في طريقه ليكون هلالاً، الناس في المساجد كأنهم خلية نحل يملؤنها طمعاً فيما عند الله، وأملاً في مغفرته ورضوان.
الحقيقة التي يحسن بنا التنويه عنها، أنها ستكون أكثر فائدة وقبولاً إن شاء الله لو أننا عاهدنا أنفسنا فيها أن تكون فاتحة خير لبدء صفحة جديدة من تغيير ما هو كامن في أنفسنا أو اكتسبناه من مجتمعنا من سلوكيات قد لا تتفق مع تعاليم الدين الحنيف، وما نقرأه في القرآن الكريم، فإذا مرت ونحن لم نستفد منها من إحداث ذلك التغيير السلوكي والعبادي فإن ذلك قد يكون تقصيرا في الاستفادة منها، فليس من العدل والعقل، أن نفعل في كل عام ما نفعله من عباده، وهذا شيء رائع، غير أننا لا نستفيد منه في السلوك الذي سرنا عليه واعتدناه، في إدارتنا، ونهجنا، وقولنا، وفعلنا، وعلاقاتنا مع الآخرين .
أعجب من رجل صوام قوام في هذه الليالي المباركة، ولا يخرج منها بفائدة عملية تتجسد في تصرفاته وسلوكه وعلاقاته بالآخرين، وأمانته التي لا يمكن أن نحصرها في المال، وإن كان من أهم مواضع الأمانات، لكن الأمانة لا تقف عند ذلك، فأنها تتجاوزه إلى كثير من الأمور الإدارية مثل التوظيف والاجتهاد في العمل، والاخلاص، والمثابرة، والسعي للأنفاق، ومن الأمانة أن تكون صادقاً في قولك، متسامحاً في فعلك، متجاوزاً خطايا غيرك.
الأمانة بابها واسع، وهذه العشر المباركة، فرصة للمراجعة، واستعراض كل السبل التي اعتدنا على نهجها، وأصبحت جزءا من سلوكنا وحياتنا، وكأنها أمر لا خطأ فيه، ونحن نرى بأعيننا أثر ذلك السلوك السلبي على كفاءة الإنتاج، والقدرة على الإبداع، واتساع المدارك، واللحاق بالركب الإخلاقي والسلوكي والإداري والعلمي.
أمة الإسلام هي أكثر الأمم حظا لأن لديها كتاباً تؤمن به منزه لم يحرف، ولديها كتب أخرى تؤمن بها، وهذه الكتب السماوية النقية غير المحرفة تحمل بين ثناياها نهجاً واضح المعالم لكيفية الحياة، والتعايش، والاستفادة مما خلقنا الله لأجله من عباده وعمارة أرض، وغيرها، ويكفي هذه الأمة أن هذا القرآن الكريم حفظه الله منذ نزوله قبل ألف وأربعمائة سنة، لذا فهو كنز دائم من الخير عبر السنين، طبق الآخرين بعض ما جاء فيه فنجحوا نجاحاً باهراً فيما استفاده منه، واغتنموا منه الكثير، بينما نحن أبناؤه المؤمنون به، قلوبنا عنه غافلة، وإن كانت له قارئة، فترديد آياته مع ما فيها من أجر عظيم، إلاّ أن تدبرها يضاعف الأجر، فما بالك بالعمل بما فيها، والعمل هو الذي يحد مدى الاستفادة الحقة، وقدرة المرء على إجبار نفسه على ترك ما اعتاد عليه من أخطاء، حتى وإن كان يرى غيره يرتكبها، فالصواب هو في تعاليم الإسلام، وليس ما اعتاد المسلمون على ممارسته في حياتهم الخاصة والعامة.
أعجب لرجل يقرأ القرآن، ويدرك معاني آياته، و لا يعطي الآخرين حقوقهم لا سيما الضعفاء والمستضعفين، وإخواننا المستخدمين من سائقين وعاملين، فقد ترك الكثير منهم أوطانهم وتركوا زوجاتهم وأبناءهم وأقرباءهم وأصدقاءهم لتوفير لقمة عيش قليلة، فمن الواجب أن يعطيه حقه في وقته، ويحترمه في التعامل معه.
أعجب ممن يقرأ القرآن، ولا يكرم المرأة، ويعطف عليها ويوقرها، ويتجاوز عن خطاياها، ويسعى لإرضائها بقدر المستطاع، فهي الأم والأخت والزوجة والابنة .
لعلنا نغتنم هذه الليالي لعشر المباركة للتغيير من سلوكنا لما هو أفضل، وأن نجعل القرآن الكريم نهجنا، دون تأويل فاسد كما يفعله الإرهابيون في أصقاع الدنيا.