كل كائن حي بالفطرة لا بد أن يكون له موطن يعيش فيه، إما أن يقوم بعمله بنفسه كما يحدث من بعض الحيوانات والطيور والهوام والحشرات وإما أن يعمل لها الموطن مثل الحيوانات الأليفة من أجل حمايتها ورعايتها، فكل كائن حي سبحان الله وبالفطرة يعمل بجد على عمل موطن له ويتفنن في عمارته في أعالي الجبال والأشجار وتحت الأرض وفي قاع البحار ويحرص على حمايته من الأعداء ومما قد يتعرض له من رياح وأمطار. ونجده يتحرك بسرعة ويتعاون لصد أي ضرر يحدث له، هذا ما يحدث للكائن الحي غير العاقل، لكني انتقل إلى الإنسان الذي منحه الله مع الفطرة العقل، كيف يخون وطنه ويضع يده في يد من باعوا أوطانهم وسعوا لخرابها وزعزعت أمنها واستقرارها بفكر ضال وصل بهم حد التكفير لمن عارض نهجهم وفكرهم المنحرف مستخدمين شعارات وهمية بزعمهم تكوين دولة إسلامية منفذين أهدافهم بواسطة الشباب حتى استطاعت أن تصل إليهم وتسمم أفكارهم وتنزع انتماءهم وولاءهم لأوطانهم وجعلتهم أداة للقتل والانتحار والتفجير حيث أضافت إلى فكرهم الضال أن تمنيهم بقيام وطن مزعوم اسمه (تنظيم الدولة الإسلامية) فرغم فكرهم وشعاراتهم المنحرفة يدركون أن الإنسان بفطرته لا يمكن أن يعمل ويعيش من دون وطن ولذلك أوهموهم بإنشاء وطن يقاتلون من أجله.
إنني أسرد هذا الكلام لأبين أهمية الوطن ومعنى المواطنة الصالحة، فنحن في المملكة العربية السعودية ولله الحمد نعيش في وطن مترامي الأطراف يضم أقدس البقع الحرمين الشريفين وننعم ولله الحمد بكنوز الأرض وخيراتها وقد وحد هذا الكيان الكبير الموحد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه- ألا يتحتم علينا أن نحب هذا الوطن ونحافظ على مقدراته ومكتسباته ونذود عنه بالغالي النفيس ونضع أيدينا بأيدي ولاة الأمر ضد من يريد الشر بهذا الوطن وزعزعة أمنه واستقراره ومع الأسف الشديد والأمر المحزن القصور الواضح في تعزيز الولاء والانتماء لهذا الوطن، قصور في غرس حب الوطن في نفوس النشء ولا أدل على هذا الضعف في الولاء والانتماء ما نلمسه في جميع شرائح المجتمع، فنجد الكثير لو سألته عن حدود هذا الوطن وبحاره وأسماء مدنه ومناطقه وجباله ووديانه ورماله وقراه وهجره لا نجد من يستطيع أن يلم ولو باليسير منها حتى إنه يجهل القرى والهجر والمراكز التابعة لمدينته.
إن الانتماء والولاء للوطن لا يقتصر على تخصص جغرافيا أو تاريخ، بل يجب على كل فرد أن يلم بكل شبر في هذا الكيان العظيم ولا يحصل ذلك إلا إذا بدأ يتحقق هذا الهدف بالنشء في مراحله الأولى منذ الطفولة، حيث يتعرف الطفل على غرفته ثم على خفايا منزله ثم يتدرج في معرفته وإلمامه حتى يصل إلى أن يعرف كل شيء في هذا الوطن.
يجب أن يكون تعزيز الانتماء والولاء هدفًا إستراتيجيًا وضروريًا ومهمًا تكون ركائزه وأدواته الوزارة والمنهج والمعلم متابعة مخرجات هذا الهدف ومدى تمكنه في هذا النشء عندها نحصل على جيل ومجتمع يكون انتماؤه وولاؤه سورًا حصينًا لوطنه محافظًا على مقدراته ومكتسباته وعصي على الفكر الضال أن يخطفه من المجتمع ويجعله أداة قتل، إن تعزيز الانتماء والولاء وحب الوطن يعتبر في الحقيقة من صالح الأمن القومي الذي ينبغي أن يشترك فيه كل شرائح المجتمع من المواطنين والمقيمين وأن تقوم أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة ووسائل التواصل الاجتماعي والجهات الحكومية والأهلية بالعمل الجاد بتصحيح ضعف هذا الولاء والانتماء وتبين خطر فقدان الوطن وما حصل لغيرنا عندما فقدوا أوطانهم من التشريد واللجوء وفقدان الأمن على أنفسهم وأموالهم وحرماتهم وتعرضهم للسلب والنهب والاستغلال والابتزاز وضيق العيش لننقل لأبنائنا المآسي التي حدثت لدول وأمم فقدوا أوطانها وهجرت منها وذاقوا مرارة فقدان أوطانهم فلا عيش كريم من دون وطن..
اللهم احفظ هذا الوطن واحفظ أمنه واستقراره وولاة مره واحفظ لنا ملك الحزم والعزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود قائد هذه الأمة الذي أعاد لها عزها وكرامتها وهيبتها وحفظ شعبها الوفي الذي وضع يده بيد ولاة أمره وقطع الطريق وأخرص الأعداء والطامعين المتربصين للنيل من هذا الوطن الشامخ.. والله ولي التوفيق.
** **
- عنيزة