خالد بن حمد المالك
في تخبط واضح، وارتباك غير عادي، وانعدام لمقدرتهم في السيطرة على مشاعر النفس الأمّارة بالسوء، في أجواء إعلامية غاب فيها الوعي، واختفت مع الضربات الموجعة قدرتهم على التماسك، وباتوا خارج السيطرة على البذاءات واللغو في الكلام، في هذا الجو المشحون بالتوتر والذهول يأبى الإعلام القطري إلا أن يكون هكذا، مهزوماً في عدم اختيار العبارة المناسبة، فاشلاً في ترجمة مواقفه إلى لغة مقنعة، تائهاً بلا دليل يساعده كي لا يتحول إلى لغة سوقية، مضطرباً حيث منطقه الأعوج الذي يشي بأقذع العبارات، وكأنه إعلام مغيب تماماً عن أهمية السمو في استخدام الكلمة، بما لا نجد مثل هذا الإسفاف في أيّ إعلام آخر وبهذه الصورة إلا فيما يسمى الإعلام القطري، الذي يذب عن قطر ولكن باتجاه معاكس، ويسوق لها ولكن بلغة يعفّ اللسان عن ذكر مفرداتها، معتمداً على ما يملى عليه من الحشود الإعلامية غير القطرية حيث تتحكم بما ينشر فيها.
* *
هل رأيتم أسوأ مما تنشره الصحف القطرية وتتبناه في دفاعها عن قطر، إذ لا مصداقية، ولا مهنية، ولا مواجهة حقيقية أمام ما تتعرض له دولة قطر من إدانات عالمية، بسبب ضلوعها بدعم الإرهاب، وتبني الإرهابيين، والتدخل في شؤون الدول لخلق مناخات من عدم الاستقرار فيها، فهي - أعني صحافة قطر - إن افتقرت إلى الدليل، فلا أقل من أن ترتفع إلى مستوى مخاطبة قرائها بلغة جميلة، وأسلوب مقبول، ومحاولة لتطييب خواطر المتأذين من سلوك قطر، وأنه من الخير لها ولقطر عدم زيادة جروحها، وعدم الإكثار من الكارهين لها، فالتحديات المستقبلية التي بانتظارها كبيرة وخطيرة، ولا تعالج بالتشنج الإعلامي، ولا بنشر قبح الكلام، فالمؤكد أن قطر لا ينقذها من الوضع الصعب الذي تمر به بمثل ما تسوقه صحافة قطر من ترهات.
* *
أفهم جيداً أن تهاجم الصحافة القطرية صحافة زميلة لها في المملكة ومصر، أو في الإمارات والبحرين، وأفهم أكثر أن يهاجم زميل من قطر زميله في أي من هذه الدول، حتى ولو كان ذلك باللغة الساقطة التي اعتدناها من الصحافة القطرية، ومن الصحفيين القطريين منذ سريان قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، أفهم كل هذا، ولكني لا أفهم أبداً أن يتمادى أسلوب هؤلاء الصحفيين في الطعن والتعرض لعلماء المملكة، ولهيئة كبار العلماء، ويصفونهم بهذه الأوصاف القبيحة التي لا تقال في حقّ أيّ إنسان، فكيف بها توجه إلى أصحاب الفضيلة العلماء، ممن يجب أن نحفظ لهم مكانتهم، ونقدر لهم علمهم، ونحتفي بمجالسهم، مثلما تربينا عليه، ودرسناه في مدارسنا، وقرأناه في تراثنا، وتعلمناه من القرآن الكريم، ومن أحاديث رسولنا- صلى الله عليه وسلم-، أو قول الصحابة والتابعين.
* *
واخجلاه، أن يقال عن صحيفة عربية، تنتسب إلى دولة خليجية، وتصدر من إحدى مدنها، أنها نشرت كلاماً جارحاً تتطاول فيه على علمائنا، بما لا يليق أن يقال في الناس العاديين، بأنصاف العلماء، فكيف وهي تقول فحش الكلام بحق أصحاب الفضيلة المشايخ، وأعضاء هيئة كبار العلماء، وتصفهم بأنهم هيئة كبار المنافقين لا هيئة كبار العلماء، هل هناك من عبارة أقذر من هذه العبارة، ومن تطاول كهذا بحق العلماء تكون وسيلة إعلامية أخرى قد سبقت به الصحافة القطرية، ألم نتعلم في أدبيات الصحافة والثقافة إجلال واحترام وتوقير العلماء، فأين هي قطر بصحافتها عن كل هذا، ومن الذي يوجهها، ويختار لها مثل هذه العناوين الجارحة، التي لا تليق بصحافة تحترم نفسها، وتدعي أن لديها رسالة وميثاق شرف، فهل يمكن أن نقول عن صحافة قطر بأنها خارج سياق الصحافة النزيهة التي تحترم نفسها، قبل وبعد هذا التطاول الوقح ضد العلماء المعتبرين.
* *
كيف لنا أن نتعامل مع أسلوب صحفي كريه كهذا، هل تسمح لنا تربيتنا وما تعلمناه في حياتنا أن نطعن في علماء قطر كما فعلت صحافة قطر مع علماء المملكة، أن نمسهم بسوء، أن نشير إليهم بكلمة جارحة، أن نقول عنهم بمثل ما قالته صحافة قطر عن علماء المملكة، ولدينا القدرة أن نفعل ذلك، لولا أننا نجلّهم ونقدرهم، ونضعهم في ميزان علماء المملكة، بل وعلماء المسلمين كافة، وحاشا لله أن نفعل ذلك، أو نقدم عليه، أو نفكر فيه، فأين صحافة قطر من كل هذا، أين الوعي والتدبر وتقدير الأمور بشكل لا يمسّ الثوابت التي طعنها الصحفيون القطريون من الأمام ومن الخلف، بما لا يمكن فهمه أكثر من أنها لغة إرهابية إعلامية أخرى تضاف إلى إرهاب الدولة القطرية، ضد أشقائها دول الجوار الخليجية.
* *
ماذا بقي من قول ستقوله صحافة قطر مستقبلاً في ظل هذا الارتباك والتخبط، والتصرفات غير الموزونة، والدفع بأسلوبها هذا إلى كل المؤسسات القطرية الإعلامية لتتصرف متأثرة بهذا التهييج، بعد أن فقدت الحجة، وأضاعت البوصلة، وأغمي عليها من أن تتعرف على ما يبيّته الأعداء لها، منخدعة بهم، ضالعة معهم بكل ما لحق بمنطقتنا ودولنا من حالة فوضى وعدم استقرار، وهكذا هي صحافة قطر لون لم نألفه، وطرح لم نعتد عليه، وممارسات قميئة تنال من شرف الأمة وثوابتها وقيمها وأخلاقياتها وعلمائها بما لا أجد وصفاً أصف به حماقاتها، وما كتبته وتكتبه عن علمائنا، إلا ذات العبارات التي استخدمتها صحافة قطرفي الإساءة لنفسها قبل أن تسيء إلى علمائنا الأفاضل.
* *
أعرف أن علماءنا ليسوا بحاجة إلى دفاعي عنهم، وأن مثل هذه الترهات لا يلقون لها بالاً، وأنهم بعلمهم وخلقهم، ودينهم لا ينزلون إلى هذا المستوى الوضيع في الكتابة والحوار مع الناس، وأن تاريخ المؤسسات الدينية في المملكة اعتادت أن تترفع عن السقوط في هذه المستنقعات النتنة التي لا يتربى فيها إلا المرضى كهؤلاء في صحافة قطر الذين يتهمون أصحاب الفضيلة أعضاء هيئة كبار العلماء بالمنافقين، لكنني وللتاريخ لا أسمح لنفسي بأن أتجاوز هذه السقطات التي تسيء إلى عالم الصحافة دون كلمة مني، أو رد عليها دون أن أتوقف وكلي حزن وألم وشعور بالصدمة أمام هذا الانحطاط في اللغة الصحفية التي تتبناها صحافة قطر.
* *
وفي هذا الجو المشوب بالتوتر القطري، نحن لا نطلب من هذه الصحافة أن تعتذر لمن أساءت إليهم، لأن هذه الإساءة ردت إليهم، وإلى كل من شجعهم عليها، فقد مستهم في الصميم، ولم تتخط كلماتهم حدود هذه الوريقات الصفراء من الصحف القطرية الهزيلة، غير أن الرد عليها لإفهام من كتب ما كتبه بأن هذا الابتذال في التعاطي مع الكلمة، واستخدام مثل هذا الأسلوب، إنما يعود إلى نفس مريضة، تمر بحالة يأس وإحباط لدى هذه الصحافة، وأن علماءنا سيبقون في أماكنهم، في مواقع الكبار المعتبرين، وربما أنهم لم يطلعوا على هذا اللون غير السوي في كتابات من ينتسب للصحافة بهذه الثقافة غير المعتادة في لغتنا الصحفية، وحسناً إن كانوا لم يطلعوا عليها.
* *
واعيباه، أن يصل بنا الجهل في عملنا الصحفي إلى حد الإساءة إلى الأسماء الكبيرة في مؤسساتنا الدينية، وأن يتمرد بعض الصحفيين على فتاوى وآراء كبار العلماء بالتسفيه عن جهل وغباء، وعدم شعور بالمسؤولية، كما فعلت ذلك صحافة قطر، فعذراً أصحاب الفضيلة، فليست هذه هي الصحافة الحرة النزيهة التي نباهي بها، وليست هذه هي روح الصحفي الجدير بالاحترام والتقدير،كما نراه ونفاخر به، لكنه الانفعال والجهل والتصرف الطائش الأحمق الذي أعمى العقول، ووضعها على هذه السكة لتكون كما هي صحافة قطر: أوراقا مسمومة، يلوثها الصحفيون الصغار بوعي أو بدون وعي.
* *
على أن هذا الأسلوب الجبان، لن يوقفنا عن أداء رسالتنا الصحفية والوطنية هنا في المملكة، سنظل نكتب بموضوعية، ونناقش بهدوء، ملتزمين بشرف المهنة، ولن تستدرجنا صحافة قطر إلى النزول إلى هذا المستوى الذي دأبت عليه، فليس في قواميسنا إلا الحب لقطر وشعبها الشقيق، أما خلافنا فهو مع حكومة قطر، بأفعالها وأقوالها وتهديدها لأمننا واستقرارنا، معتمدة شقيقتنا الصغرى في ذلك على دول ومنظمات وأفراد، يزرعون إرهابيين في دولنا، يدعمونهم، يمولونهم بالمال، ويخدمون ذلك بإعلام رخيص، وسيظل هذا الخلاف قائماً إلى أن تذعن قطرلشروط المملكة وشركائها المتضررين من سياسة أمير قطر تميم بن حمد ووالده حمد بن خليفة ووزير الخارجية السابق حمد بن جاسم.