د. حمزة السالم
حلمنا بالقمح الوطني، فزرعنا القمح، فلا ماء أبقينا ولا زاداً أدخرنا ولا جيلاً واحداً أشبعنا. إنكار الواقع يجعلنا نهرب إلى الأحلام الوردية، فتمكننا ثروة النفط من جعل الحلم حقيقة.. اليقظة تفسد روعة وردية الحلم فتكشف الحقيقة عن بؤس رماديةَ أحلامٍ ضاعت وأضاعت كثيرا، فضاعت عن جادة طريق الأمم الخالدة.
ما أشبه حال بعض أبنائنا الخريجين اليوم، بأحلام القمح بالأمس. يحلمون فيستشهدون ببل قيت، الذي خرج بنظام وندو من حراج بيت مستأجر، وبمبدع قوقل وفيس بوك وأشباههما.. وهل بل قيت وأمثاله إلا بعض إفرازات طبيعية حتمية لمجتمع اقتصادي علمي متطور؟.. وهل كانت، هذه الإفرازات الابتكارية، لتكون لو أنها صبت في مجتمع غير متطور؟.. ألم تربو وتتمخض ابتكارات بل قيت وأمثاله في أرحام مراكز الجيش البحثية؟ أولم يشتد عودها لولا تعهد الأسواق الأمريكية المتطورة لها؟.. ولنفترض أن بل قيت خرج بنظام ويندو من كراج منزله من وسط كامبرديج، فذهب به للصين في تلك السبعينات الميلادية؟.. أكان الصينيون ليفهموه؟.. ولو فهموه فهل سيجد الأرحام اللازمة للمخاض. ولو وجد فهل سيجد سوقاً متطورة مؤهلة لتطويره ونشره؟.
ويستشهدون بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة في أمريكا وكوريا.. ولم لا ننظر إلى كمبوديا وبنجلاديش؛ فاقتصاديات كلا البلدين قامت ومازالت على المنشآت الصغيرة والمتوسطة. ولننظر: هل جاءت المنشآت الصغيرة والمتوسطة في أمريكا بعد أو قبل أن اكتمل اقتصادها وبلغت ذروة تطور سياساتها البحثية. أفلا نرى أن الاقتصاد الزاهر المعرفي كأمريكا وكوريا هو الذي يسبق المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وأن الاقتصاد التعيس هو من تسبقه المنشآت الصغيرة، المتوسطة، ككمبوديا وبنجلاديش.
أوليس دوام الاقتصاد المزدهر قائم على العقول، لا على الفلوس؟.. أوليس صاحب الجيب الرباعي الفاخر بلا وقود في الصحراء، ليس بأفضل حالاً من البدوي الحافي؟.. فهذا حالنا وحال كمبوديا إذا خبت نار النفط، التي قد بدا ذبول شمعته.. ألا يكفي بأرامكو شاهداً وشهيداً؟.. أو ليست أرامكو ستنتهي بانتهاء النفط، بينما الشركات النفطية الأمريكية والبريطانية والهولندية تجوب العالم بعد نضوب آبار تكساس وبحر الشمال وآبار الغاز الهولندي؟.. إن كان هذا حال أرامكو، فيا ليت شعري كيف هو حال سابك ومدن الجبيل وينبع؟.
أليس الغاية هي تطوير الاقتصاد السعودي حقيقة؟ أو ليس الهدف الرئيسي هو إيجاد أيد وعقول سعودية ترفد الاقتصاد الإنتاجي المتقدم السعودي؟.. متى ندرك بأن التوظيف في بلادنا لاينبغي أن يكون هدفاً بذاته، كالبلاد المتطورة، بل التوظيف هو نتيجة مأمولة ومقياس من مقاييس النجاح. كما أن مستوى الرواتب ينبغي ألا يُجمل، فهو معيار إنتاجية الاقتصاد الناتج عن المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
قام القمح على ثروة النفط وأغنى أفراداً قليلين، وأضاع موارد كثيرة. وكذلك هي المصانع والورش قائمة على الأجنبي قلباً وقالباً.. فهي قائمة على الثروة النفطية وعلى مقدرة السعودي الشرائية والمستمدة من النفط. هذا إن كان إنتاجها سعودياً لا مجرد صورة، بينما تفي مصانع الصين والهند بطلبات المناقصات.
قد يتفاءل البعض بتطور صناعي ونحن لا نزال على نفس ثقافتنا الإدارية، فأين مسببات هذا التفاؤل؟.. هل ستقدر على ما لم تقدر عليه أرامكو المتربية في أحضان الخبراء الأمريكيين، ورغم طفرة علوم البترول واستقرارها وبيانها.
لنصدق مع أنفسنا، لن يكون هناك إنتاج محلي ذات قيمة، دون مجتمع اقتصادي معرفي علمي متطور.