د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** بين نقد العقل وإعادة التفكير توقف محمد أركون 1928- 2010 م في كتابه ( الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد - 2007م )، موقنًا أنّ مصطلح «إعادة التفكير» الذي ابتدأه «فرانسوا فوريه» في كتابه (إعادة التفكير في الثورة الفرنسية -1978م)، يدعو إلى تركيم القراءات والمعالجات والتفسيرات بهدف اختراقها كي لا تظل طبقاتٍ تلد طبقات فيما يحول دون الوصول إلى النص الأصلي في أساسه البكر، وقال: إنه ألقى محاضرةً في الولايات المتحدة عنوانها : إعادة التفكير في الإسلام.
** ربما شاء مواجهة مشروع الجابري في نقد العقل العربي، لكنه - في الوقت نفسه - أراد التخلص من التراكمات المحيطة بالنص مؤثرًا القراءة التأريخية على مقابلتها الفلسفية، وهو ما يعني اطّراح الدراسات السابقة المهيمنة على المشهد الثقافي تجاه واقعٍ صار الدينُ فيه مكونًا مختلفًا عما انغرست فيه جذوره ونمت بذورُه.
** تحدى الفكر المغاربي - في معظم دراساته - العقل الجمعي كما لم يفعل الخطاب المشرقي المغرقُ أغلبُه في الاستنساخ، دون أن يتوازى ما يطرحه من مسلّمات مع الاستفهامات المعلقة في أذهان الباحثين عن فهمٍ أعمق لشروط التغيير.
** ولا شك أنّ ما وسع أزمنةَ محو الأمية الحرفية لن يسع زمان تجاوز الأمية العقلية، ولم يَعُد مقبولًا حتى للشداة الاستمرارُ في اجترار الوعظية والتقليدية التي سيطرت وقتًا غير قصير، وآن للمدارس الفكرية أن تستوعبَ التبدلات الحادة التي طرأت وتطرأ على زمن العلماء - الفقهاء.
** كانت قراءات المشرقيَّيْن «زكي نجيب محمود وعبدالرحمن بدوي» - وهما مثالان سريعان - متساوقتين مع قراءات المغاربة في التفاتها نحو عناوين جديدة متصلة بتجديد الفكر واستلهام التجارب «الأجنبية»، وأبرزها تجربة «إيمانويل كانت»، لكنها لم تمتدّ ربما لولادتها في ظروفٍ غلب عليها التيهُ في منحنيات مدارس النقل الموجهة من جانب والمواجهة بقوة تصل حد الإقصاء لمدارس العقل في الإسلام السني على وجه التخصيص.
** وكي لا يظل الكلام غائمًا ، ولئلا يضِلَّ الشباب المتطلعُ إلى سيادة التفكير في حقبةٍ حرجةٍ، وللخروج من تبادل الاتهامات حول الانغلاق والاندلاق، وتوصيفات أو تصنيفات الكفر والإيمان، فإنّ دور الفقيه في الفتوى لا يكفي لتصديره في واجهة المشهد المتموج، كما أنّ الوقوف في محطة الوعظ ودوائر الحل والحرمة والترغيب والترهيب، لن يستطيع تقديم فكرٍ ناقدٍ قادرٍ على تقديم رؤىً ضعيفةٍ أمام نماذج متفوقةٍ لا وجود للوصاية في ممارساتها الرسمية والإعلامية والمجتمعية.
** نحتاج إلى صوغِ مداراتٍ موازية يسود فيها العقل القادر على وعي التحديات والانطلاق لتأسيسِ حوار حرٍ ناقدٍ، يضمن للمفكرِ مكانه ويرسم مكانته، وينزع الأقنعة المستترَ وراءها المنادون بالوقوف في محطات التيه كي يبقوا وحدهم الأدلّاء.
** الأفق نفقٌ توارى.