عثمان أبوبكر مالي
أقوى انطباع تركه لاعبو المنتخب السعودي لكرة القدم للشباب أثناء مشاركتهم الأخيرة في بطولة العالم للشباب الحادية والعشرين، التي اختُتمت الأحد في كوريا الجنوبية، كان الحرص والإصرار على السجود لله شكرًا في المباريات عند أي حدث إيجابي أو سلبي، وعند انتهاء المباريات أيًّا كانت النتيجة. وكان قائد المجموعة في ذلك وأول من يبادر إلى ذلك الفعل الجميل قائدهم الفني الكابتن سعد الشهري، لدرجة أن كاميرات النقل لمبارياته كانت تتجه إليه مباشرة على دكة البدلاء، خاصة عندما يسجل أحد لاعبي الأخضر الشاب هدفًا، أو عندما يطلق حكم المباراة صفارته النهائية. وحدث ذلك حتى وهو يخسر آخر مبارياته أمام منتخب الأوروغواي، ويغادر البطولة من دور الستة عشر.
ذلك الفعل الذي رسم انطباعًا جميلاً لم يكن وليد البطولة ولا المنتخب الشاب، وإنما هو سلوك يصاحب (الرياضي السعودي) في مختلف الألعاب والمسابقات في الملاعب والميادين والصالات، وهو ينم عن اعتقاد حقيقي وتربية إيمانية، نشأ عليها، وتصاحبه في كل أمور حياته العامة والخاصة.
أذكر في مونديال أمريكا (كأس العالم عام 94)، وكان الأخضر السعودي يشارك لأول مرة في ذلك المحفل الرياضي الدولي الكبير، تناقلت وسائل الإعلام في العالم صورة، بثتها وكالات الأنباء العالمية، عندما قام أحد الإعلاميين المرافقين للبعثة بأداء إحدى الصلوات بين شوطي إحدى المباريات، فكانت من أشهر اللقطات التي شهدتها البطولة غير صور اللعب والملعب، وهو ما يحدث أيضًا بشكل جماعي في مناسبات دولية وقارية. والتاريخ يسجِّل منذ السبعينيات ما حدث في إحدى الدول العربية الكبيرة، بعد أن ارتفعت الشكوى فيها من التحكيم في مباريات دوريها الكبيرة، فتمت الاستعانة بطاقم تحكيم سعودي في المباراة النهائية، لتكتب كبرى صحفها عنوانًا (مانشيت) على صدر صفحتها الأولى يقول (جاءكم حكم يقود المباراة بالقرآن والسنة).
هذه الانطباعات المسجَّلة عن الرياضي السعودي تبرهن على أن من يفعل ذلك (وتربى) عليه لا يمكن أن يكون (بلا قيم)، لا يمكن أن يكون شريرًا.. أما وصفهم بأنهم (إرهابيون) فهي - والله - (فرية الكون) الكبرى.. من المؤكد أن حتى من يطلقونها لا يصدقونها؛ لأنهم يكذبون ويعرفون أنهم يكذبون؛ وبالتالي هم على أنفسهم يضحكون.. ويا خسارة القلم في أيديهم، بل خسارة المداد الذي يسطرون به أراجيفهم.
كلام مشفر
* (توجيه كريم بمراعاة الحالات الإنسانية للأسر المشتركة السعودية - القطرية تقديرا للشعب القطري الشقيق). هذا هو (خادم الحرمين الشريفين)، وهكذا هو (ملك الإنسانية).. صفات لم تطلق عبثًا، ولا من فراغ، وإنما أفعال وشواهد وأعمال وقرارات ووقفات مع الصغير والكبير، البعيد والقريب، الجار والصديق والمعتدي، في السلم والحرب، وفي عز الأزمات.
* الرياضة عند الأسوياء خُلق وأخلاق، ود وتسامح، رفعة وإخاء، ومنهج. الرياضي السليم لا يتغير، وهو في العادة لا ينجرف إلى السفه أو الانحطاط والفحش، وإنما هي الفروسية والمبادئ والمنهج القويم، وعند اللزوم سيكون لا بد مما ليس منه بد، عندما يتمادى من يخرج عن ذلك، ويضعهم أمام خيار الوطن، سترفع له أسنة السيوف قبل الأقلام، والأفعال قبل الأصوات؛ فالوطن خط أحمر في كل وقت وفي كل مكان وفي كل مجال.
* لم يحتَجْ الوطن شبابه يومًا إلا وكان الرياضيون مع أقرانهم في مقدمة الصفوف الأولى، يلبون النداء جنبًا إلى جنب.. والصورة لن تغادر مخيلتنا ورياضيونا يتسابقون في كل مكان إلى مراكز التجنيد (أثناء أزمة الخليج الثانية) تلبية لنداء الواجب. ويأتي اليوم ثلة من المأجورين وأقلام المرتزقة يستكثرون عليهم وهم الذين يرددون (كلنا فداء الوطن) الرد والدفاع عن وطنهم بآرائهم وألسنتهم.. عجبي!
* الهبوط بالرياضة في الحرب والسلم لا يأتي إلا من قليلي المروءة وفاقدي الذوق والأخلاق الكريمة.. أما الرياضيون الحقيقيون فلا ينجرفون، ولا يخرجون عن مبادئها وأهدافها اعتباطًا، ولا يكون من نهجهم السفاهة والنذالة، وإن كانوا لا يقبلون الضير، ولا يستعيرون أجوبتهم، ولا يتنازلون عن المواقف الوطنية الثابتة.
* ترحيب الوسط الرياضي بالقرارات التي تمس الوطن، وقبوله بها، وتفاعله معها، أمر مؤكد وطبيعي، وفي كل المجالات التي تتعلق به؛ ولذلك فإن الاحتفاء الكبير الذي ساد هذا الوسط بقرار (حجب قنوات الاحتكار الرياضي) القطرية هو تأكيد لهذا القبول والرضا والتمسك به، والإيمان الكامل بأنه لمصلحة الشباب والرياضيين، وهم الشريحة الكبيرة من رجال الوطن.
* يخاطر الاتحاد السعودي لكرة القدم كثيرًا إذا استمر ينظر إلى الأمور والخطوات والبرامج بقرار (ترشيد المصروفات)، خاصة عندما لا يكون الترشيد في موضعه ومكانه الصحيحين. وذلك يعني أنه يحفر للعودة إلى الوراء.