يولد الإنسان حاملاً معه صفات وراثية لها تأثير محدود على مسيرة حياته, لكن المجتمع الذي ولد فيه له التأثير الأكبر على نظرة الفرد للحياة والتعاطي معها, ففي ثقافتنا العربية يستعرض الناجحون النهايات السعيدة لقصصهم متغافلين عن مراحل الفشل والألم التي مروا بها أثناء رحلة النجاح مما يخلق وعياً جمعياً بأن النجاح هو محض صدفة أو فرصة لا تُتاح إلا لشريحة محددة في المجتمع تحمل صفات وراثية ومجتمعية خاصة الأمر الذي يبعث على الخوف من الفشل بينما في مجتمعات أخرى يتم تعريف الفشل على أنه فقط أن تكف عن المحاولة.
فالثقافة والوعي الذي يحمله الفرد ما هو إلا نتاج مجموعة من السلوكيات والإرث المعرفي الذي يكسبه الفرد من أفراد المجموعة التي ينتمي إليها، لذا لا غرابة في أن نجد هناك مجتمعات تُصدر الناجحين والقياديين على مستوى العالم وكذلك مجتمعات استطاعت أن تنهض من الصفر مع قلة الموارد لديها مثل ما حدث لليابانيين بعد هيروشيما.
إن الظروف التي يولد منها الناجحون هي نتاج أفكار تم تخزينها وتغذيتها ومن ثم استهلاكها كوقود للنهوض والعمل ولأن المجتمعات بثقافاتها المختلفة تتأثر ببعضها بشكل كبير فمع التقارب الثقافي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح من المألوف جدًا أن نسمع قصص أشخاص عاديين وصلوا إلى مراحل متقدمة من الثراء أو النجاح وظيفيًا كما حدث مع صاحب محلات «باجة» فبحسب موقعهم الإلكتروني أنها ابتدأت من محل شعبي لبيع الفصفص بالسيارة، إلى مشروع يعمل من خلال 100 معرض في 30 مدينة ويقدم 152 منتجًا، وتحول إلى شركة مساهمة مقفلة.
عندما نفتش وراء أصحاب قصص النجاح نجد أنهم بدءوا قبل أن يشعروا أنهم فعلًا مستعدين لذلك، بينما انتظر الجميع الفرصة المناسبة لكي يبدؤوا مبتكرين أسبابًا مقنعة للتأجيل، لذا عندما تناقش فكرة من المحتمل جدًا أن تشعر أنك متردد أو غير مؤهل ولكن تأكد تمامًا بأن ما تملكه الآن كافيًا للبداية ومن بعدها يمكنك التعديل والمراجعة، الناجحون بدءوا من ذات المكان أغلبهم لم يكن يملك مالًا أو مصادر أو خبرات ولكنهم بدءوا.
هناك من يعتقد أن الناجحين وصلوا لما يريدون لأن ليس لديهم التزامات حياتية أو أنهم متفرغون تمامًا لما يعملون لأجله، بينما الحقيقة أن كلنا لدينا 24 ساعة يوميًا وكلاً لديه مسؤوليات وأولويات تشغل وقته ولكن الفرق أنهم عرفوا كيف يترجمون أفكارهم ويرتبون وقتهم ولم ينتظروا الإلهام أو الفرصة المناسبة بل صنعوا لهم أجواء مناسبة للبدء لأنهم أيقنوا أن العمر يمضي وأن التعذر بعدم الجاهزية يجعل الأيام تمضي بلا تقدم نحو الهدف وإنما تزداد وتيرة الضغط العصبي بسبب الفجوة بين ما يشغل تفكيرك طوال الوقت وبين موقعك الحقيقي من التقدم نحو الهدف.
فمهما كان هدفك وأينما كان موقعك الحالي، أبدأ بالتنفيذ قبل أن تشعر بالاستعداد التام واحرص على عدم تشتيت تركيزك على التفاصيل، اصنع إلهامك بنفسك.