خالد بن حمد المالك
هناك سؤال مهم، يطاردنا جميعاً، ولا يكاد أي منّا ينفك منه، سؤال مشروع في ظل التطورات المتسارعة في العلاقة بين قطر وأشقائها، ومشروع أيضاً أمام تهرُّب الدوحة من مسؤولياتها، وإنكارها لكل ما تبيّته سياساتها العدوانية من ترصد لاختراق الأمن في دولنا، استجابة لطموحات وأوهام وخيالات لا تفكرفيها حتى أكبر الدول في العالم.
**
نعم ماذا تريد قطر، الدولة المهيأة للاحتضار بدون دعم المملكة وبقية دول مجلس التعاون، ضد من يتربصون بها شراً، ويستخدمونها كحصان طروادة في الوصول إلى أهدافهم، بدءاً من تمهيد الطريق لتأزيم علاقاتها بجيرانها، مروراً وانتهاء بالسيطرة على مفاصل القرار السيادي لديها.
**
فقطر تبدو لنا وكأنها مغيَّبة أو مخدَّرة عن تقدير حجم الأخطار التي ستدفعه ثمناً لنزواتها، غير مدركة ما يعنيه تعريض أمن دول المنطقة للخطر، تتصرف بحسب ما يمليه العدو عليها، إن في الداخل أو الخارج، وكأن مصالحها مرهونة بعلاقة تعتمد معهم على التخطيط لتنفيذ المؤامرات والجرائم والإرهاب ضد الأشقاء الذي يخافون عليها.
**
وحتى هذه اللحظة لا أحد يعرف حقيقة ماذا تريد قطر بافتعالها المشاكل مع الجيران، من إصرارها على تكرار الجرائم بحقهم، ومن التلاعب بمصير الشعب القطري الشقيق باستراتيجيات ظاهرها وباطنها معاً العذاب للقطريين بأكثر مما سيلحق ذلك بالخليجيين، وهو ما لا يعيه اللاعبون الكبار في قطر، أو أنهم يعونه ويمارسونه لمآرب أخرى نتمنى عليهم أن يفصحوا عنها للوصول إلى فك اللغز الكبير: ماذا تريد قطر؟.
**
في قطر - وهذه استنتاجات شخصية - يعاني لاعبوها السياسيون من شعور بالنقص، ومن رغبة في تعويضه بإشعال الفتن في دول المنطقة عن طريق إيواء الإرهابيين وتمويل الإرهاب، والتآمر على أنظمة دول المجلس الخليجي، والارتماء في أحضان الدول والمنظمات المعادية، والاستعداد لتلبية ما يطلبونه منها، بل والتعاون معها لإحداث الفوضى على نحو ما تتحدث به الوثائق والمعلومات الموثقة.
**
ومن الواضح أنّ قطر تشعر بأنها دولة مخنوقة، وبلا نافذة برية تصلها بالعالم، وتعتقد - ربما - أن تمرير مؤامراتها يضعف من الموقف السعودي، وبالتالي يتم التسامح والتساهل مع ما يلبي أوهامها بانتظار أن يحقق ذلك معالجة لوضعها الحدودي وهو أمر غير ممكن ومتعذر.
**
ماذا تريد قطر، لا إجابة، أكثر من أنها تريد أن يذعن الآخرون لمطالبها، وإلا فسوف تخرِّب، وتخلق المشاكل، وتعرِّض أمن المنطقة ودولها للخطر، يعني باختصار أن قطر مثل الطفل الذي إن لم تستجب لمطالبه فإنه لن يكتفي بالبكاء، وإنما سوف يخرِّب كل ما يقع بين يديه، وهكذا تفعل قطر مع دول الخليج، إنها كذلك الطفل، تتصرف بلا وعي عن تأثير مواقفها على أمن قطر أولاً ودول الخليج ثانياً.
**
هم يريدون الحوار، ولكن خلف الغرف المغلقة، وعلى طاولة واحدة، ويقبلون بالوساطات، بل ويستدعون كل من يريد أن يتوسط لهم، غير أن السؤال هو هو! ماذا تريد قطر في كل ما فعلته وتفعله، وقد نكثت من قبل بكل وعودها، ولم تلتزم بشيء من الاتفاقيات التي وقعتها، كما كشفت بأصوات قادتها جرائم مهولة ضد قادة المملكة، بما لم يفعله غيرهم، ولم يسبقوا إليه، نعم ماذا تريد قطر غير إيذاء جيرانها، وتحقيق أهداف أعداء دولنا.
**
هم يتباكون، يذرفون دموع التماسيح، يطرقون الآن عواصم العالم، يشرحون موقفهم بروايات كاذبة، يؤكدون على براءتهم، ينفون كل ما يُقال عنهم، ويتحدثون عن مؤامرة مسيسة ومخطط لها من الأشقاء، بينما تفضحهم أفعالهم، وتكشف جرائمهم حجم المستور، حيث التمويل الذي يصل إلى الإرهابيين، وحيث عدد الرموز الإرهابية والمتطرفة التي تقيم في أراضي قطر، ومنها تصدّر العمليات الإرهابية إلى الدول الأخرى.
**
يريدون شيئاً أو أشياء لا تبدو واضحة لهم، وفي حكم المستحيل بالنسبة لنا أن يستجاب لها، ومع هذا يلعبون بالنار، ويتصرفون بلا حنكة سياسية، أو دراية بما سوف يترتب على تصرفاتهم من ردود فعل غاضبة من الطرف الآخر، معتمدين على وعود بالتدخل والدعم من إيران وتركيا، ضد الدول الشقيقة، مع علمهم بأن تدويل أزمتهم مع الدول الشقيقة لا يحلها استدعاء قوات أجنبية، وإنما الحل يأتي أولاً وأخيراً بالتوقف عن تمويل الإرهاب، وعدم إيواء الإرهابيين، وايقاف استخدام الإعلام المأجور في إثارة التطرف بين شعوب دول المنطقة.
**
أكثر ما يؤلمنا أن هناك من يعتقد أن هناك فرصة للحل بالتنازلات من هذا الطرف وذاك، والصحيح أنه لا حل يبدو في الأفق، ولا معالجة للتطورات المتسارعة في علاقات قطر بجيرانها، إلا من خلال رضوخ الدوحة لما تمليه مصالح جيرانها الدول الشقيقة، والتسليم من جانبها لأشقائها بأنها لا تريد شيئاً أكثر من علاقة محبة وتعاون وتجانس بين شقيقة صغرى وشقيقات أخرى، مع الالتزام بتقديم ضمانات في أي اتفاقيات قادمة، بما لا تجعل الدوحة تعود إلى ما هي عليه، كما كانت تفعل من قبل.
**
أتساءل: ماذا تريد قطر حقاً، غير ما هو واضح لنا من سلوكها، ومن دعمها للإرهاب، غير ما نعتقد أنه مركَّب نقص يعتقدون أن قطر بأموالها ونفطها وغازها يجب أن تكون لها مكانة كبيرة غير التي هي عليه الآن، مع أنه كان عليها أن تقتنع بوضعها، وتسلِّم أمرها بما هي عليه، وتبحث عن شقيق يسند ضعفها بقوته، وينتصر لها بإخلاصه وغيرته عليها، لا أن تضع نفسها في قبضة عدو له أطماع فيها وفي شقيقاتها.
**
وعلى دولة قطر - أقول هذا عن حرص عليها ومحبة صادقة ومخلصة لشعبها - أن تتدبر أمرها من الآن وقبل فوات الأوان، أن تنظر إلى الأخطار المستقبلية المحدقة بها من الأعداء بمنظار الفاحص المتأمل، الخائف على مستقبل الدولة، فتبتعد عنهم، ولا تصدق وعودهم، ولا تطمئن لدعمهم، وتثق بأنهم بمواقفهم إنما هم أعداء يريدون تدميرها، وجرّها إلى ما يقوِّض أمنها، ويعرِّض استقلالها للخطر.
**
هذه قطر، الدولة التي نخاف عليها كما نخاف على بلداننا، فهي جزء من جسمنا الخليجي، شئنا أم أبينا، يجمعنا بها كل ما يقربنا إليها، وما يثوّرنا عليها إذا ما جنحت عن الطريق الصحيح، أو استثمرها العدو بما يسيء إلينا، أو حوَّلها إلى حديقة خلفية لتمرير مؤامراته علينا، مستغلاً ضعفها، وغياب لاعبيها الكبار من إدراك خطورة ما يبيّت لها، فنحن مع قطر مسالمة ومتعاونة يداً بيد، ونحن معها نكبح جماح مؤامراتها وعدوانها وإرهابها، وكلاهما موقفان مشروعان للتعامل مع قطر المحبة للسلام، وقطر المتمردة على الأعراف والقوانين.
**
ماذا تريد قطر منا، نكرر السؤال، وما زال الغموض يلف أي إجابة مفترضة عن هذا السؤال، فإجابته عند تميم، عند حمد، وعند حمد الآخر، وربما لدى النافذين في السلطة من غير القطريين، ولا بأس أن يتطوع كل منا، ويدلي بدلوه في الإجابة عن السؤال، غير أن ما وراء الإجابات أعمق وأخطر مما نتوقع، والخوف من الموقف القطري المتضامن مع الإرهابيين، أنه سوف يلحق الضرر بقطر لا بالدول الشقيقة، ونيران العدو لن تتخطى أرض قطر، وأنّ المستقبل المجهول لن يكون إلا لقطر، قطر الشقيقة الصغرى لا غيرها.
**
نطرح السؤال إيّاه من جديد: ماذا تريد قطر من كل ما تفعله الآن، وما فعلته في الماضي، وما تهدد به في المستقبل، هل نحن أمام حالة مستعصية، علاجها في عملية جراحية كبيرة تضمد الجراح، وتنهي هذه المأساة التي طال مداها، بعد أن امتدت شرورها، وعانت منها قطر أكثر مما عانته الدول الأخرى، ما جعل الوقوف بحياد أو صمت أو تجاهل غير ممكن أمام ما يجري من تهور قطري في قراراتها، ما يعني أن على قطر أن تكون أو لا تكون مع هذه السياسة، وتداعياتها المستقبلية.