«الجزيرة» - الاقتصاد:
سيلاحظ المسافرون،المحليون والدوليون، عندما يبدأون بالتوافد على مطار الملك عبد العزيز الدولي الجديد، فخامة المنشأة التي ينتظر لها أن تكون معْلَماً حضارياً بارزاً في المملكة العربية السعودية والمنطقة. الكثير من السعوديين لا يعلمون أن لمسات فهد السيف الذي عين مستشارا لوزير المالية، المُعين حديثاً، ستكون بارزة عندما تفتتح الهيئة العامة للطيران المدني ذلك المعلم الحضاري الذي تنتظره جدة بفارغ الصبر.
الضالعون بأسواق الدين في المملكة يتذكرون صكوك « الهيئة العامة للطيران المدني» في 2012 التي استخدمت متحصلات الإصدار في ذلك الحين من أجل تغطية تكاليف بناء مطار الملك عبد العزيز الدولي الجديد. ذلك الإصدار التاريخي (البالغ 15 مليار ريال) كان يقف وراءه مدير مكتب إدارة الدَين الحالي فهد السيف عندما كان يعمل (في ذلك الحين) لصالح بنك أتش اس بي سي السعودية. كانت تلك الفترة بداية وهج المصرفية الاستثمارية للوحدة البريطانية نحو أسواق الدين الإسلامية بالسعودية بقيادة السيف. ويصفه المتخصص بأسواق الدين محمد الخنيفر خلال مقابلته البارحة مع وكالة بلومبرج بـ «المصرفي رقم واحد المتخصص بأسواق الدين في المملكة». وتابع: عودته لمكتب الدين تعد خطوة إيجابية للمملكة التي تسعى لطرح أدوات دين دولية ومحلية هذه السنة.
تماشيًا مع مقولة «الكفاءات تقدم نفسها»، قام المصرفي المتخصص في أسواق الدين فهد السيف خلال 7 أشهر من تأسيس مكتب إدارة الدين (في مايو 2016) بإقفال أضخم إصدار في تاريخ الأسواق الناشئة (سندات المملكة الدولارية بقيمة 17.5 مليار دولار)، وكذلك حصد الرئيس السابق للمكتب في طريقه ثلاث جوائز عالمية (جائزة «أفضل إصدار سيادي للسندات خلال العام»، وجائزة «أفضل سندات للأسواق الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال العام»، وجائزة «أفضل إصدار للسندات خلال العام») من مؤسسة إنترناشيونال فاينانسينج ريفيو.
يذكر إن وزارة المالية قد أعلنت في بيان لها البارحة عن عودة فهد السيف وتعيينه رسميا، رئيساً لمكتب إدارة الدين العام ومستشاراً لوزير المالية. وخلال فترة الأربع أشهر التي جاءت بعد انتهاء إعارة السيف لوزارة المالية، قامت الأخيرة بتعيين رئيس مُلكف لمكتب الدين والذي شهد على إثره قيام السعودية بإصدار أول صكوك سيادية في تاريخ المملكة. إلا أن هذا الإصدار الأخير قد حمل معه بعض الملاحظات حول هيكلة الصكوك المُعقدة التي تم اختيارها والتي يرى المراقبون أن خزانة الدولة باتت تتحمل معها علاوة سعرية كان بالإمكان تجنبها، فضلاً عن ذلك صعبت هيكلة الصكوك الهجينة من الموقف التفاوضي للفريق السعودي وخصوصاً شريحة الخمس سنوات التي كان تسعيرها فوق منحنى العائد الخاص بالسندات التقليدية من نفس الأجل.
الفكر الإستراتيجي
القريبون من الشخص الذي وصفته «بلومبرج» بالرجل (وراء إصدار الـ 17.5 مليار دولار) يدركون أنه بالإضافة لكونه يحمل خبرة ليست باليسيرة في أدوات الدين، فهو يحمل معه فكراً استراتيجياً لتطوير أسواق الدين بأقصر الطرق وأوفرها وقتاً. بخلاف ذلك فهو يحمل معه بعد نظر حول الكفاءات التي اختارها معه ليكونوا من المؤسسين لمكتب الدين.
ويقول الخنيفر في أحد تحليلاته التي خص بها صحيفة الجزيرة في وقت سابق: على الجميع أن يدرك أنه ليس من السهل إيجاد كفاءات سعودية تملك خبرات دولية ومحلية بأسواق الدين وضليعة بالتسعير (الذي يوفر إتقانه الكثير على خزانة الدولة). وتابع المتخصص في أسواق الدين لدى مجموعة البنك الإسلامي للتنمية: البعد والفكر، «الاستراتيجي التطويري» هو من سينقل أسواق الدين بالمملكة إلى المرحلة المقبلة.
الخبرة والتسعير
وعمل السيف في المجال المصرفي وشغل منصب رئيس إدارة استشارات مخاطر أسواق المال ـ الخزينة، المدير العام – خدمات المصرفية العالمية والأسواق، ونائب العضو المنتدب لبنك ساب. كما تولى مهام المدير التنفيذي - أدوات الدين وتمويل الشركات والمدير التنفيذي – الاستثمار المصرفي وتمويل الشركات، في بنك اتش اس بي سي. لذلك عندما نحاول أن نحصر عدد سنوات الخبرة بأسواق الدين فقط فإننا سنجدها تلامس الثمان سنوات. ولكن عندما تعود بنا الذاكره الى أضخم أصدار سندات في تاريخ الأسواق الناشئة والذي أشرف عليه السيف في أكتوبر 2016، نتذكر حينها كيف كان لدى السيد فهد، بحسب الخنيفر، «الجرأة في تجاوز الأعراف التقليدية وكيف قاد السعودية للحصول على تسعير تعدت به المملكة دولاً تفوقها بدرجة أو درجتين بسلم التصنيف الائتماني. لاحظ أن ذلك التسعير في ذلك الوقت ساهم في إعادة رسم الخارطة التسعيرية لسندات قطر وأبوظبي بالسوق الثانوية».
وتابع فهد السيف من بُعد زملائه بمكتب الدين، الذي قام باستقطابهم بنفسه، عندما كان مديراً مكلفاً لمكتب الدين في 2016 وهم يغلقون أول إصدار صكوك سيادي مقوم بالدولار (9 مليارات دولار). ولفت الخنيفر في مقابلة حديثة له مع CNN بالعريبة إلى أن نجاح اصدار الصكوك لا ينفي التكلفة الزائدة له قائلا: «الصكوك تتداول في السوق الثانوية، وليس هناك فوارق بالهامش السعري مع السندات العادية» وأضاف: ماذا يعني ذلك؟ يعني أن العلاوة السعرية لاحقت الاصدار حتى في السوق الثانوية. وتقع على عاتق مكتب إدارة الدين العام مسؤولية تأمين الاحتياجات التمويلية للمملكة بأفضل التكاليف الممكنة، كما يؤدي مكتب إدارة الدين العام دوراً رئيساً في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية الهيكلية بما يتوافق مع برنامج التحوّل الوطني ورؤية المملكة 2030.