علي الصراف
«الإخوان» في مصر قد يكونون حجر الزاوية بالنسبة للتنظيم الدولي لهذه العصابة، إلا أنهم لم يمتثلوا حتى لتجارب بعض أطرافها، التي سعت إلى الاندماج في الهوية الكيانية لأوطانهم، أو التآلف مع طبيعتها الاجتماعية والسياسية الحديثة.
هذه الجماعة ناقشت التجربة «العلمانية» للإسلام السياسي في تركيا، إلا أنها لم تستفد منها، ولا اعتبرتها نموذجاً صالحاً. كما أنها لم تأخذ بتجربة بعض امتدادات الجماعة ذاتها في المغرب وتونس.
لقد نظرت إليها على أنها مجرد «تلاوين» حرباوية (مألوفة ومكرورة) للتكيف مع الواقع. ولم تأخذ بها كتجارب حقيقية جديرة بالاعتبار.
امتدادات الاخوان في تركيا، لا تطمح إلى استعادة الأحلام الإمبراطورية العثمانية. ولا تقدم نفسها كمشروع للخلافة الإسلامية. ولئن كانت قد انضوت تحت إطار المؤسسة العلمانية التركية، واحترمت دستورها، فإنها رضيت بالكثير مما يثير الجدل في التشريع، فقط من أجل تلبية شروط الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي.
هذا الانتساب نفسه، دلالة مضادة تماماً لمشروع الخلافة، بل ولكل إرث العثمانية الغابرة. كما أنها، بتعبير آخر، محاولة لتمثّل «المصالح الوطنية» التركية، بما هي كذلك.
تركيا، وطن نهائي، إذن، بالنسبة لهذا التمثّل، بينما ظلت مصر، في أعين الإخوان، مجرد قيمة عابرة، لصالح مشروع خلافة عثمانية، عابرة للحدود، تنتظر ماليزياً ليحكم مصر، أو مصرياً ليحكم ماليزيا، أو قرضاوياً ليحكم قطر.
الامتدادات الإخوانية في المغرب، أنجزت تحوّلاً لتصبح جزءاً من «المؤسسة»، ولتعمل تحت ظلها، من أجل خدمة «المشروع الوطني» (على قدر التصوّر)، إنما في جوار تصوّرات متوازية أخرى، تتعايش مع بعضها تحت السقف ذاته.
أما «الغنّوشية» في تونس، فقد آثرت أن تتخلى عن السلطة أمام الضغط، بل ورضيت بدستور حديث للبلاد، ليتخلى «حزب النهضة» نفسه عن طبيعته الدينية أيضاً.
قد يمكن القول: إن ثمة مقداراً كبيراً من الانتهازية في كل ذلك، ولكن في حدود المعلن على الأقل، فإن التكفير في هذه التجارب الثلاثة بات ممنوعاً. وأصبحت الوطنية قيمة ذات دلالة، بل إن قبول الآخر والتعايش معه، وصولاً إلى حد الشراكة، هو الأساس الذي أتاح لتلك الامتدادات أن تنأى بنفسها عن الانحراف إلى المسار الإرهابي الذي تمسكت به الجماعة في مصر.
ولكن، لماذا تمسك «إخوان مصر» بهذا المسار الكارثي؟ سؤال جدير بالاعتبار فعلاً.
لأن هذه الجماعة وجدت من يموّل لها الوظيفة المضادة؛ وظيفة التخريب والهدم. وجدت من يدفعها إلى التمسك بخيارات التطرف والعنف.
لقد تم تجنيد هذه الجماعة لكي تؤدي وظيفة الانتقام من التعددية الاجتماعية والسياسية لكي تفرض على المجتمع المصري خيارات الموقف العنيف القائل: إما نحن أو الخراب الشامل؛ إما نحن أو لا أحد.
لم تُجر الجماعة مراجعة نقدية لتاريخها الإرهابي ولا لتجربتها الفاشلة في السلطة ولا لـ»ثقافة» العنف التي تصدر عنها، لأنها حصلت على التمويل الكافي لكي تأخذها العزة بالإثم. ولكي تشعر، عبر الأبواق التي تم توظيفها لخدمتها، بأن صوتها ما يزال عالياً. وبأن مصاعب الحياة في مصر تشكل تبريراً كافياً للشعور بالتعالي عن الحاجة إلى النقد.
التخريب المنهجي واحد، ولكن الفرق الوحيد بين هذه الجماعة وبين تنظيم «داعش»، يكمن في الزعم بأنها لا تمارس الإرهاب، وأنها تنظيم معتدل. بينما الحقيقة ليست كذلك.
«داعش» لم يجد نفسه مضطراً للنفاق. وقال: «هات من الآخر». بينما «الجماعة» تمسكت بممارسة نوع من إرهاب شمولي أشد هدماً، لكي ينخر في قدرة 90 مليون مصري على إعادة بناء بلدهم.
وإذا أخذت الأمور «من الآخر» بالمثل، فالحقيقة المُرّة، هي أن هذه الجماعة موجودة لكي تعمل كقنبلة نووية لتفجير الأوطان والمجتمعات من داخلها، وذلك لحساب تطلعات صغيرة، تعاني من عقدة النقص، ولديها مشاعر مرضية بالخطر، وتريد أن توزع شروره على الجميع، لعلها تشعر بالطمأنينة.
هذا هو دور الإخوان. وهو دور مريض بالأحرى، لم يسمح لهذه العصابة بالمراجعة، كما لم يسمح لمصر ولا لدول المنطقة الأخرى بقبول التعايش، لا مع الخطر الشمولي الذي تمثله، ولا مع التطلعات الصغيرة التي تحرضها عليه وتموّل عزتها بالإثم فيه.