خالد بن حمد المالك
لا نستطيع أن نتحدث عن تصريح أمير قطر الشيخ تميم بن حمد الذي زعم بأنه لم يقله، وأن وكالة الأنباء القطرية كانت ضحية اختراق باستلامها للتصريح وتوزيعه، رغم أن هناك تطابقاً بين ما جاء في التصريح وتلك السياسة القطرية التي يشارك في توجيهها الشيخ حمد آل خليفة أمير قطر السابق والشيخ حمد بن جاسم وزير الخارجية السابق، كما لا نستطيع أن نتحدث فنظلم أمير قطر الحالي الشيخ تميم الذي تنازل له والده عن السلطة فنحمّله منفرداً مسؤولية كل ما يجري الآن، أو باستبعاد وزير الخارجية السابق الشيخ حمد بن جاسم من المسؤولية إلى جانب الأمير السابق حمد بن خليفة في كل التطورات القطرية، بما فيها صناعة قطر دولة إرهابية بامتياز.
**
الثلاثي حمد وحمد وتميم شركاء معاً في نقل قطر من دولة يفترض أن تكون مسالمة تلتزم بمسؤولياتها كدولة عضو في الأمم المتحدة والجامعة العربية والمجلس الخليجي وغيرها من المنظمات، إلى دولة متمردة مؤذية ومتآمرة وإرهابية كأقل الأوصاف التي توصف بها قطر وفقاً لوضعها الآن، غير أن هناك إلى جانب ذلك طابوراً من الأشخاص الوافدين إلى قطر، وآخرين خارج قطر، تغلغلوا في مفاصل الدولة، وأثروا في قراراتها، ونجحوا في اختراق مؤسساتها، وأثروا في توجهاتها، وأقنعوا الثلاثي بأجندتهم على مدى عقود من الزمن.
**
وبهذا فإن دولة قطر وشيوخها ومراكز القرار والقوى فيها ليست مختطفة فقط، وإنما دولة مسروقة من خارطة الانتماء الخليجي، وموضوعة في الموقع المناسب لإيذاء جيرانها، والتآمر عليهم، وجعل دولهم في حالة ترقب دائم للحيلولة دون وصول نيران إرهابهم إليها، فمؤامرات الدوحة لم تعد سراً، وتخطيطها لخلق الفوضى بين مواطني دول الخليج العربي وممارسته وكأنه ضمن حقها السيادي، وأن لا أحد يحق له التدخل في سياساتها، أو يجوز له أن يطالبها بالكف عن مؤامراتها، فهي دولة متسلطة، لا يجد مسؤولوها حرجاً أو تردداً في خرق كل القوانين والأعراف الدولية، والإعلان عن مؤامرات خطيرة على لسان شيوخها بحسب ما تم تسريب بعضها بأصواتهم.
**
فإلى جانب ما قاله أمير قطر السابق حمد آل خليفة من كلام عن المملكة ونشرنا جزءاً منه في مقالنا أمس، وهو كلام رخيص ومبتذل، ويعبِّر عن نفسية رجل مريض، هناك لوزير الخارجية السابق حمد بن جاسم كلام فيه من البذاءة وسقط الكلام، ما يكمل به السياسة القطرية المعتدية على جيرانها، المتآمرة على أقرب الشعوب والدول لها، ودائماً معمر القذافي هو الطرف الثابت في المشاركة بالمؤامرات التي تحبكها وتخطط لها وتمولها دولة قطر الإرهابية، بتوجيه ومتابعة ودعم من حمد وحمد، حيث دخل على الخط متأخراً تميم بن حمد، وشارك في هذا العمل الجبان بعد تنازل والده له عن السلطة.
**
ومثلما تحدثنا في المقال السابق عن الكلام الخطير الذي كان محور الحديث الصوتي بين معمر القذافي وحمد بن خليفة، حيث بلغ اللؤم حد التخطيط بينهما للتآمر على نظام الحكم في المملكة، وتأكيد حمد بأن الأسرة السعودية الحاكمة لن يكون لها وجود بعد اثني عشر عاماً، أي أنه يُفترض بحسب أوهام حمد أن تكون المملكة الآن مقسمة إلى دويلات، وأن نظام الحكم السعودي قد أصبح من الماضي، وهذه الأماني الرخيصة تحققت فعلاً ولكن على الجانب الآخر المتآمر، فقد زال حكم معمر القذافي، ووجد حمد بن خليفة نفسه خارج كرسي الإمارة، ولم يبق له إلا هذه المشاركة مع ابنه تميم في التآمرية على المملكة ودول الخليج الأخرى.
**
ومثلما تحدثنا عن الشيخ حمد آل خليفة، وأكدنا على أننا من فمك ندينك يا شيخ حمد بن خليفة، تعالوا نستمع ونقرأ ما قاله بصوته المتآمر الآخر على المملكة في عمل مشين، وتصرف أحمق، وأعني به الشيخ حمد بن جاسم، فقد بلغ به العدوانية والحقد والكراهية لبلادنا وقيادتها وشعبها ما لا يقل عما تحدث به أمير البلاد السابق، من حيث العبارة والمضمون والهدف، وكذلك الخطورة في تبني الأشرار ودعمهم ليكونوا مخالب قط لإيذاء المملكة، بينما هم في حقيقة الأمر لا يؤذون إلا أنفسهم، ومن هيأهم لهذه الأعمال الجبانة، وعلى رأسهم حمد وحمد وتميم ومن لفَّ لفهم ممن يقيمون في قطر من العرب والعجم، ويتحكمون بالقرار فيها.
**
يقول الشيخ حمد بن جاسم بصوته الذي لا يمكن أن ينفيه أو ينكره، أو يدعي أنه كلام مخترق أو مفبرك على طريقة الاختراقات القطرية المعتادة، وقد كان ذلك في حوار له مع معمر القذافي أيضاً، بأنه اجتمع مع المخابرات الإنجليزية والأمريكية منذ فترة في لندن (وهذا بيني وبينك يقوله حمد للقذافي) وطالبوني بتحليل الوضع في السعودية، يضيف وبالنص "حللت لهم الوضع، إن الوضع صعب، وهناك حكومة هزيلة، ومش تاركة أحد يدير الأمور"، يواصل موجهاً حديثه للقذافي بالقول "المنطقة مقبلة على بركان، السعودية مقبلة على ثورة شئنا أم أبينا، طبعاً إذا تغيرت الظروف بعد تسع سنوات، واحنا ايش أسأنا للأمة العربية في علاقاتنا بإسرائيل".
**
الأمريكان - يقول حمد - عندهم إستراتيجية، تهدأ العراق خلال سنتين، هم يفكرون أن السعودية لازم تتقسم، ويحلل الشيخ حمد ما يزعم أنه موقف أمريكي لتقسيم المملكة، والقذافي في حالة إصغاء فيقول: "نجد ما فيها نفط إلا 400 ألف برميل، هاذيلا ما عندهم اللي يأكلونه، ما عندهم إلا 400 ألف برميل، والمتشددين موجودون في وسط المملكة، في نجد، الحجاز عندهم مكة والمدينة بئر بترول، الشرقية عندهم كل الثروات، إحنا نجحنا أننا نسحب قواعد الأمريكان من السعودية إلى قطر لنعمل خلل".
**
مؤامرة حمد بن جاسم على المملكة لا تقتصر على ذلك، يقول للقذافي: "لابد يكون عندنا قوة يخافون منها، واحنا ما نستطيع نعمل قوة يخافوا منها، هناك جزء مهم في العملية، فهؤلاء الذين يروحون لندن وباريس وروما وسويسرا معروفين، هاذيلا تشتغل عليهم سفاراتنا بهدوء، واحد وقع في مشكلة، واحد مريض يبي علاج، وهذا لا يكلف كثير، هذه نقطة، وواحد يشوف ويعطي هذا الضابط بدون أن يطلب خدمة، يعني يخلق علاقاته الشخصية مع هؤلاء الناس الذين في المعارضة"، وبهذا الأسلوب الساذج يتحدث وزير الخارجية السابق حمد بن جاسم عن مؤامرة لم يجد غير القذافي يتناغم معه في الأفكار الجنونية، والأعمال الإرهابية.
**
وبعد كل هذه المؤامرات من الحمدين وأعوانهما، تأتي قطر وتدعي البراءة من كل صور الإرهاب، والزعم بأنها بريئة مما تُوصم به من تطرف وإرهاب، وعدوان ومؤامرات على دول الجوار الأعضاء في مجلس التعاون، متكئة على مساندة ليس لها أي قيمة أو اعتبار من تركيا وإيران، في حشد إيراني - تركي يدين قطر أكثر مما يساعد على تحسين صورتها، كدولة إرهابية متهمة بالكثير من الأعمال والمؤامرات التي لا يقبل بها العالم، فيما أن الطريق الأسهل لإنقاذها من حبل مشنقة الإرهاب أن تعود إلى خليجها دولةً محبةً للسلام، وداعمة للاستقرار، ومناصرة للدول الشقيقة في محاربة الإرهاب.
**
لا أعتقد أن عاقلاً بعد سماعه لصوتي حمد بن خليفة وحمد بن جاسم، وتخطيطهما بمؤامرة بهذا الحجم ضد نظام المملكة، وهذا الحقد الذي يسيل منه لعاب كل منهما، يمكن أن يعثر الإنسان ما يبرئ مواقفهما العدوانية من المملكة وبقية دول الخليج، ولا يمكن أن ينظر إلى أعمالهما الإرهابية بمعزل عن سياسة أمير قطر تميم بن حمد، في الإبقاء على العنف والإرهاب، حتى بعد ابتعاد كل من حمد وحمد شكلياً من السلطة، واستمرارهما فعلياً في وضع قطر على فوهة بركان غير البركان الذي أشار إليه حمد بن جاسم في حديثه مع معمر القذافي، كما لا يمكن أن نتحدث عن مؤامرات بهذا الحجم ولا تكون بعض الأسماء الإرهابية الكبيرة حاضرة كالقرضاوي وخالد مشعل وعزمي بشارة، وغيرهم من الراسخين في العلم الإرهابي والتخطيط للعنف بحقد دفين على دول الخليج.
**
السؤال الذي يفرض نفسه، والواقع الذي لا يمكن إنكاره، ما الذي يعمله أمير قطر، وهل هو في أجواء هذه العمليات الانتحارية لقطر قبل أن تمس دول الخليج، أم أن المهيمن على القرار خارج إطار السلطة، بحكم أنه مغلوب على أمره، ومتى سنكون على موعد مع موقف عاقل ورشيد يزيل عن منطقتنا ودولنا هذه السحب الداكنة، وهذا الضباب المؤذي، وتلك الممارسات التي تجلب العار والخزي لكل القوى الرسمية وغير الرسمية المشاركين بها ظلماً وعدواناً من الدوحة، وهل من غد أفضل ينتظر قطر ليبقيها دولةً مستقلةً في قرارها وتوجهها وحزمها وعزمها ضد المخربين، ومتى سيكون هذا الغد الآتي، متى؟!.