يوسف المحيميد
ظللنا لسنوات طويلة ننتقد مخرجات التعليم الجامعي، لكونها لا تناسب احتياج السوق، ثم اقتنعنا بأن الجامعات جهات أكاديمية وليست تدريبية، لذلك هي ليست مسؤولة بشكل مباشر عن السوق، وإن كان عليها التخفف من القبول في الكليات الإنسانية مقابل التركيز على الكليات العلمية والطبية، نظراً لحاجة الوطن لمثل هذه المجالات، والتي لم تزل مستمرة، بالنظر إلى حجم الأجانب الذي يشغلون مثل هذه الوظائف!
كنا نعول كثيراً على التعليم الفني والتدريب المهني، وننتظر أن يستقطب أعدادًا كبيرة من خريجي المرحلة الثانوية، لكن البدايات كالعادة تكون بسيطة ومتعثرة، وربما لا تخلو من الأخطاء، ومن جودة المخرجات التي لم تحقق المأمول، وهذا يرتبط بالقدرات الإدارية التي قادت هذا التعليم على مدى سنوات مضت، خصوصاً في جلب كوادر التعليم المتميزة في مختلف المجالات، ومن دول أجنبية مختصة ومتطورة في تلك المجالات، كما فعل المعهد التقني السعودي لخدمات البترول، الذي حصد مؤخرًا المركز الأول عالمياً في مجاله من قبل منظمة «جت إنرجي» العالمية المختصة في بناء وتطوير العلاقة بين مخرجات مراكز التدريب والتعليم واحتياجات شركات البترول والغاز، وهو قبل هذه الجائزة يحظى بمتابعة وإدارة دقيقة على مخرجات هذا المعهد التي هي عبارة عن كفاءات مطلوبة من كافة الشركات المختصة في مجالات البترول والغاز.
ذكرت هذا النموذج الناجح، والمؤسسة العامة للتدريب الفني والمهني أحد مؤسسي هذا المعهد، بجانب وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، وشركة «شيفرون» العربية السعودية، لذلك كلنا أمل بأن تنجح المؤسسة العامة للتدريب الفني والمهني هذه المرة في استقطاب أكثر من 115 ألف متدرب ومتدربة من خريجي الثانوية العامة، بعد الاستفادة من الكليات والجامعات التطبيقية في مجال التدريب التقني والمهني على مستوى العالم، كالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا وألمانيا وهولندا وأسبانيا، كشركاء في التدريب والتشغيل للكليات التقنية في المملكة.
وحينما يتم افتتاح سبع كليات تقنية جديدة في مناطق مختلفة في المملكة، منها ثلاث للبنين، وأربع للبنات، من خريجي وخريجات الثانوية، لتدريبهم وتأهيلهم لسوق العمل، فهذا مؤشر واضح على أن المستقبل يشير إلى أن المرأة ستشكل فعلاً نصف المجتمع على مستوى العمل والإنجاز وخدمة الوطن، وهذا ما سيسهم في توطين الوظائف من جهة، وتقليل معدل بطالة المرأة إلى مستوى أقل.
ما يهم هنا، أن تكون مخرجات هذه الكليات فعلاً على مستوى متميز ومتطور، وقادرة على إنتاج كفاءات منافسة في سوق العمل، لأن ذلك هو محك النجاح الحقيقي، فلا جدوى من كثرة الكليات التقنية واستقطابها لخريجي وخريجات الثانوية، ما لم تكن على مستوى تقني وعلمي عال، يصنع الفرق لبناء مستقبل الوطن، وهذا لن يتحقق إلا بالاندماج والشراكة مع جهات عالمية مختصة في هذه القطاعات الفنية والمهنية.