د.ثريا العريض
بين القنوات الفضائية لم أحب قط متابعة قناة «الجزيرة» حيث أجدها صاخبة مؤججة ودائماً تستثير في المشاهد مشاعر غاضبة وعدوانية. حتى حين أسافر ولا يقدم برنامج البث في الفندق إلا هذه الفضائية أفضل أي قناة أجنبية متوفرة, مستثنية البعض التي أراها سلبية تجاه همومنا العربية و الإسلامية.
عادة لا أفتح التلفزيون إلا لنشرة الأخبار, وأحيانا البرامج الوثائقية أو الثقافية.. باستثناء موسم رمضان من كل عام إذ تعودنا أن تجتمع العائلة للاستمتاع بمتابعة ما يحمل من مسلسلات اجتماعية وترفيهية وتوعوية. ونعايش تسابقا مثيرا بين الفضائيات لاجتذاب المتابعين لمشاهدتها. ونتحمل على مضض كثرة الدعايات التجارية وتكررها بشكل مزعج.
هذا العام جاء الواقع بجديد تفوق على كل البرامج التي بذلت فيها الجهود, و سرق الأضواء والمتابعين و المتفاعلين, لا بمسلسل مصنوع ولكنه كاد أن يصبح مسلسلا دراميا مفجعا شد اهتمام الجميع ليس للتسلية وتزجية الوقت, بل لمعرفة المستجدات على أرض الواقع بتأزم مفاجئ أخذ معظمنا على غرة, تفاعلا مع الأحداث السياسية في منطقة الخليج وبالذات في مجلس التعاون؛ قد نسميه «بداية النهاية» كما سماه دونالد ترمب, وقد نسميه «مناصحة الابن الضال». وأرى الأقرب لتفاصيله أن يكون عنوانه «مسلسل العقارب» قد نعتبره توثيقيا يستمد أحداثه من تاريخنا الماضي محليا وإقليميا وكونيا ولكنه بالتأكيد ليس ما يمتع أن نتابعه. وبودنا أن ينتهي بأسرع ما يمكن أن يكون. ولا يعرف مخرجه ومنتجه ومن يملي حلقاته و يصيغ حبكته. فهو اشبه بكابوس جمعي على غرار حلقات برنامج «الصدمة» حيث واضح أن هناك من يقوم بدور الخارج عن العرف وترتكب أفعالاً مخلة مرفوضة يشاهدها المتابعون حتى يفيض بهم الكيل فيقررون تأديبه. المشكلة أنه ليس هناك ممثل يخرج ليطمئن أن السيناريو فبركة تستثير العواطف لتوضح للمشاهد المستنفر أن العالم بخير وأن كل ما رآه وانفعل به واستنفر لتصحيحه كان مجرد تمثيل.
في آخر حلقة قبل كتابة هذا المقال تابعت جهود سمو الشيخ صباح الصباح أمير الكويت سلمه الله في رحلاته المكوكية من الكويت لجدة للإمارات لقطر في محاولة لرأب الصدع الخليجي, وإقناع قطر بإغلاق حضانة العقارب واحترام أمن العائلة الخليجية التي فاض بها الكيل رافضة ما تكرر من تصرفات رعناء جمعت متناقضات عجيبة وضارة باستقرار الخليج والجوار العربي الأبعد؛ من استضافة الناشطين المطرودين من أوطانهم, واحتضان نشاط الإخوان المسلمين, وتمويل الإرهاب, وتأييد نظام إيران العدواني. وتمادت فوصلت للتخطيط للإطاحة بالشرعية.
شخصياً عايشت التطور الاقتصادي وتاريخ و تأزمات المنطقة منذ الستينات في طفولتي في البحرين حين تعاون الشيعة والسنة لإخراج الإنجليز, واخترنا جميعا أن تكون البحرين عربية وليس تحت حكم الفرس. وعايشت الوعي السياسي في الخليج يتنامى مطالبا بالأمن عبر تنمية المجتمع والاقتصاد, وتتويجه بتأسيس مجلس التعاون الخليجي. وفرحت وأبناء جيلي بأن تتحقق الرغبات الوطنية والخليجية؛ في ذات الوقت الذي عايشنا فيه تدخل إيران للتخريب, وبدايات تطحلب المنطقة بالتوجه الإخواني و طموحاته السياسية المستترة, وتدفق المرفوضين منهم في أوطانهم إلى دول الخليج. ببساطة لم تكن أي دولة خليجية في حاجة لتبني فكر الهدم بل فكر التنمية الشاملة وروح التعايش وتقبل الاختلاف. وما زلت لا أفهم لماذا تختار قطر أو أي دولة أخرى رعاية المنادين بالثورات والإرهاب والهيمنة الفكرية.. وتحتضن العقارب السامة؟.
وحتى كتابة هذا المقال لا يبدو هناك ما يطمئننا لانفراج قريب.
وسأظل أتشبث بالتفاؤل.. وأدعو أن ينتهي المسلسل القائم بعودة الابن الضال إلى رشده, وإيقاف النشاطات المرفوضة والتخلي عن رعاية وتمويل المنظمات السامة ومؤسساتها المغرضة, وتغيير توجه قناة الجزيرة التأليبي كي يعود الأمان إلى الجوار خالياً من العقارب.