فضل بن سعد البوعينين
دعم وتمويل الإرهاب من محاور الخلاف الرئيسة مع دولة قطر؛ وبالرغم من أهمية المحاور الأخرى؛ يبقى ملف الإرهاب مرتبطاً بالمجتمع الدولي الذي أصبح أكثر تشدداً تجاهه؛ وتبنيا لقضاياه القانونية التي يمكن أن تفصل في أي خلاف حول الشخصيات والكيانات المدرجة؛ وتحدد العقوبات الدولية المفروضة على جميع المتورطين فيه وفي مقدمهم الدول الحاضنة للإرهاب والداعمة لتنظيماته.
التعامل القانوني مع قضايا دعم وتمويل الإرهاب هو الطريق الأمثل لمواجهته وتجفيف منابعه؛ وكشف الدول الحاضنة التي أسهمت في تقويته واستدامته ونشر عملياته الإرهابية حول العالم؛ ومن هنا جاء إعلان السعودية والإمارات والبحرين ومصر عن قائمة تصنيف 59 فرداً و12 كياناً في قوائم الإرهاب المحظورة لديها والتي تمولها وتدعمها دولة قطر بالمال والسلاح.
جددت الدول الأربع التزامها بدورها «في تعزيز الجهود كافة لمكافحة الإرهاب وإرساء دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة» وأكدت إصرارها في ملاحقة الأفراد والجماعات الإرهابية على الصعيدين الإقليمي والدولي. ترتكز ملاحقة الأفراد والجماعات الإرهابية على الجانب القانوني الأكثر إيلاماً؛ إلا أن تصريحات بعض مسؤولي الدول الأربع المتتابعة تشي بأن خيارات المواجهة ستكون مفتوحة لضمان قطع يد الإرهاب وتجفيف منابع تمويله؛ وهو ما لم تستوعبه حكومة قطر؛ التي ردت برفض القائمة؛ والتشكيك فيها؛ والقول «بتسييس القائمة» وإرتباطها الوثيق (خلافات بين الدول)
يعتمد تكييف قضايا الإرهاب على الأدلة والبراهين؛ وبخاصة الجوانب المالية التي لا يمكن إخفاء قيودها؛ لذا اعتمدت الدول الأربع في تصنيفها الأفراد والكيانات المرتبطة بقطر على الأدلة والبراهين المثبته؛ والقيود المصرفية والتحويلات المالية عبر شبكات التقاص الدولية. إضافة إلى ذلك؛ فغالبية من تم تصنيفهم في قائمة الإرهاب الأخيرة مدرجون على قوائم الإرهاب الدولية والأمريكية على وجه الخصوص. بل إن ملفات وزارة الخزانة الأمريكية تعج بالمعلومات الدقيقة عن أبرز أسماء الممولين القطريين المدرجين في قائمة الدول الأربع ما ينفي عنها تهمة التسييس.
ومن جهة أخرى؛ فما قامت به الحكومة القطرية من دعم لجماعات الإرهاب في السعودية والبحرين وسوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر؛ خلال العقدين الماضيين؛ كان على علاقة بأجهزة استخباراتية غربية عملت وفق إستراتيجية محددة؛ شكلت فيها قطر محور الدعم والتمويل. إنجاز الأهداف الإستراتيجية؛ ودخول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض؛ فرض واقعاً جديداً للتعامل مع ملفات المنطقة؛ ومنها ملف دعم وتمويل الإرهاب؛ الذي تحولت مكوناته الاستخباراتية إلى أدلة إثبات ضد الدول المشاركة فيه.
يمكن لحكومة قطر المضي قدماً في نفيها وتشكيكها بقائمة الإرهاب الأخيرة وما سيلحق بها من قوائم؛ ويبقى الحكم مرتهنا بمؤسسات المجتمع الدولي؛ التي ستجد أدلة الإدانة الدامغة والمتنوعة بين الوثائق الرسمية والصور ومقاطع الفيديو والقيود المصرفية إضافة إلى إعترافات صريحة من بعض الرسميين أو المصنفين على قائمة الإرهاب؛ وهم يتباهون بإنجازاتهم حين تمتعهم بالحصانة الإستخباراتية الغربية، آن ذاك.
تغيرت أصول اللعبة؛ ودخل العالم مرحلة جديدة لم تستطع حكومة قطر استيعابها بعد؛ ما يحملها على المواجهة والتعنت اعتقاداً منها بوجود الحصانة السابقة. رفعت مظلة الحصانة؛ وأصبحت مطالب الدول الأربع العادلة مطالب دولية يدعمها القانون الدولي المُغيب قسراً خلال العقدين الماضيين. التراجع ومعالجة الأخطاء مطلب ملح لحماية قطر واقتصادها من تداعيات خطرة قد تصل إلى الإضرار بمستقبل الدولة واقتصادها؛ وتجميد أصولها المالية ووقف التعامل مع قطاعها المصرفي؛ ومحاكمة شخصيات اعتبارية فاعلة في ملف دعم وتمويل الإرهاب. ستكتشف حكومة قطر؛ يوم لا ينفع الندم؛ أنها أضاعت جميع الفرص التي قدمها لها أخوانها الخليجيين وفي مقدمهم السعودية؛ وأنها استمعت لصوت (الشيطان) وصمت آذانها عن نصح إخوانها الخليجيين الذين أدرجتهم خطأ في قائمة الأعداء.
ستبقى دول الخليج العمق الإستراتيجي لقطر؛ وسيبقى حكامها الأكثر حرصاً وإشفاقاً ونصحاً لقطر وشعبها؛ وإن ألبستهم شياطين الإنس والجن لباس الأعداء الوهميين؛ رغبة منهم في دفع قطر ودول الخليج نحو الهاوية.. أختم بقوله تعالى: {يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}.