عبده الأسمري
ما بين نزعات الإنسان ونزغات الشيطان تتحكم القلوب والعقول في صناعة السلوك، فإما أن يميل إلى أحد طرفي المعادلة فيدخل في بوابة اللاسواء، أو أن تتزن المؤشرات النفسية والسلوكية عن طريق التفكير الإيجابي فتكون المعادلة ماضية إلى حيث السواء.. والنتيجة إما قلوبا بيضاء سوية تصنع الفرح وتؤطر للسداد وترسم خارطة الإيجابية أو أخرى مريضة وهي ما أنزل الله عز وجل فيها الآيات بقوله جل شأنه {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} فالمرض هو النقطة والنكتة السوداء التي تتشكل من خلالها سوءات القلوب وسلبيات التصرفات خصوصا تلك المتعلقة بالعاطفة والتعامل في جانب المشاعر مع الآخرين واحترام ذواتهم وقيمتهم وقيمهم لوجود رابط إنساني وآدمي يفرض هذه المساحة، وهذا الوصال البشري الفطري.
خلق الله الإنسان وصوره في أعلى وأكمل درجات التقويم ووضعه في مسار من العيش يعيشه بقلبه وعقله.. ولو أردنا تحليل أي سلوك أو تصرف فلا بد من الاعتماد على القلب والعقل.. فالأول وعاء الشعور والحب والكراهية والعواطف بمختلف تفاصيلها الدقيقة والثاني مصدر السلوك الفكري المرتبط بالقلب.
لذا، فإننا إذا اخضعنا «سلوك الحقد والكراهية والغل والعداء» فنحن أمام شخصيات سوداوية مقيتة جداً تجيد صناعة التعاسة ووأد الفرح من خلال قلوبهم وعقولهم والأمثلة في ذلك كثيرة.
بين القلب والعقل نداءات وإيحاءات وتداعيات تعمل في النفس الإنسانية يومياً كغرفة عمليات بشرية بالغة الدقة وعميقة التواصل فيما بين الجهازين اللذين لا يعمل أحدهما دون الآخر.
وعلى مر التاريخ، ولو عدنا إلى قصص الأقوام السابقة وما حملته الإنسانية من تراث وإرث إنساني ومعرفي وحتى ما سطره الزمن من أحداث لا تزال حاضرة في ذكرى الأجيال فإن كل ذلك يتعلق بما حملته وكرسته وسطرته قلوب وعقول أشخاص وصناع أحداث تلك الحقبة من سلوكيات ولا يزال الوضع سائرا حتى اليوم..
وإذا ما تلوثت العقول بأفكار الهدم وتفاصيل السوء والضرر فإنها ستصنع حربها الشرسة مع الآخرين من خلال التدبير المرتبط بالتدمير، وفي تفاصيل الإساءة والتخطيط في اتخاذ الفكر السلبي الملوث.. وسيلة وترجمة لما تحمله القلوب المريضة.
الحياة بطبعها صراعات، والإنسان يحاول وفي صراع داخلي مع نفسه في حلها، ولكن التعايش الإنساني والترابط البشري الذي بلوره الإسلام في أزهى صوره وأبهى مشاهده رسمت الدروب الجميلة التي تنتهي بنهايات أروع وردمت الفجوات والنزاعات في الخلافات البشرية بمبدأ العدل وبمنطلق التسامح، لقد غيرت سماحة ديننا القويم القلوب والعقول لتكون أجهزة تتفاعل مع الأنفس تعيش بالرحمة وتتعايش بالمودة واحترام الآخرين.. لذا من أراد تنقية قلبه وفلترة عقله عليه أن يرجع إلى قصص القرآن الكريم، وإلى العبر فيها، ويجب أن يدقق جليا وبعمق في جمال التجارب الملهمة والفريدة والمنهجية التي نقلها دستورنا العظيم، وما يرتبط بالعقل والقلب من مناهج إنسانية ودينية قويمة صنعت الأمجاد ودفنت الأحقاد وأوصلت الإنسان إلى أن يكون في أحسن تقويم سلوكاً وعملاً ونتاجاً وإنتاجاً.