خالد بن حمد المالك
هناك من يعتقد - وهو على خطأ - أن تصريح أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لوكالة الأنباء القطرية، وقد جاب به العيد كما يقولون، هو سبب أزمة قطر مع الدول التي قطعت علاقاتها بقطر، اعتماداً على ما ورد فيه من مواقف عدوانية، وخروجاً على السياق العام في العلاقات الدولية، وأن هذا التصريح الخطير هو الذي فجّر الموقف بين قطر والمملكة والإمارات والبحرين ومصر ودول عربية أخرى، غير أن سبب الأزمة الحقيقي ناشئ عن تراكمات من المواقف السلبية التي أظهرت أن قطر دولة إرهابية ومتآمرة، وضالعة في كثير من أعمال الإرهاب التي مست دول المنطقة، وامتدت لتشمل دولاً أخرى كثيرة تتحمل الدوحة المسؤولية القانونية والإنسانية عن كل ما ترتب من نتائج لهذه الأعمال الإرهابية.
* *
والذي يحسن الظن بالشقيقة قطر لا يتوقع منها أن تناصب العداء أشقاءها، ويستبعد أن ترتكب جرائم بهذا الحجم وتتستر عليها، ولا يخطر في باله أن تتحول دولة صغيرة كقطر إلى خنجر سام يطعن الجسم الخليجي بدوله وشعوبه، وربما اعتقد أن هذه الاتهامات فيها شيء من المبالغة، أو عدم التثبت عند إطلاقها، ما جعل قطر ضحية موقف إرهابي مسيّس، لعدم ظهور المعلومات الموثقة عن جرائم الدوحة قبل الإعلان عن قطع العلاقات معها، وهذا تتحمله دول مجلس التعاون التي ظلت تتستر على ممارسات قطر الإرهابية بحقها، والتعامل معها بالحوار وقبول الوساطات، والاعتقاد بأن هذا هو الطريق الصحيح لتطويق الأزمات الخطيرة التي تفتعلها قطر.
* *
وظل هذا التعامل الخليجي المرن من الأزمة مع قطر هو سيد الموقف، المحاولات مع أميرها والنافذين فيها تتواصل، مباشرة وعن طريق الوسطاء، وكان هذا يتم ليس عن ضعف، وإنما لإعطاء الدبلوماسية فرصتها لتطويق الأزمة، ومعالجتها على النحو الذي لا يدفع فيه الشعب القطري الشقيق ثمن نزق أمير البلاد ووالده، إلى أن بلغت الأمور ما بلغته من الخطورة، وحق الدول في الدفاع عن نفسها، أمام عدم اكتراث الدوحة بالنداءات، أو القبول بالوساطات، خاصة مع عدم استعدادها للالتزام بما تكون قد وقعت عليه في عامي 2013 و2014، بل ومع استمرارها في ممارسة التصعيد ومواصلة دعمها للمتطرفين والإرهابيين، وكأنها لا تعرف أن أفعالها كما هي أقوالها المتناقضة يتم رصدها ومتابعتها وتحليلها، بما لا تستطيع قطر ومسؤولوها ومن هم مستفيدون من دعمها إظهار براءتهم أمام الحقائق المكشوفة.
* *
هل هناك أكثر وضوحاً من المكالمة القذرة بين أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني والرئيس الليبي السابق معمر القذافي، حيث تحدث حمد للقذافي عن مؤامرة خطيرة يتبناها ضد المملكة ونظامها، ومؤكداً على أن آل سعود لن يكون لهم وجود بعد اثني عشر عاماً، وبينما كان معمر القذافي يصغي لكلام لا يصدر إلا عن شخص مريض، يواصل الشيخ حمد ترهاته بالقول: نحن نعتبر أنّ النظام السعودي نظام فاسد، نظام أذل مكة والمدينة، واحنا لازم نعمل المحور هذا ونشجع الحركات الداخلية بهدوء، ومن مصلحتنا دعم هذه الحركات لأنّ القضية قضية وقت، وأنا مثلما قلت لك إن الله أعطانا عمر 12 سنة أشك أشك شك كبير إنك تشوف الأسرة السعودية، هم خلافاتهم القوية لا تسمح لهم بالتحكم بالمملكة، هذه اسألني عنها، وجميع المعارضة لنا علاقة معها، وثاني احنا أكثر دولة سببت إزعاج للسعودية.
* *
يضيف حمد آل خليفة في حديثه المسجل بصوته ما نصُّه: لا احنا نقول ذيك العائلة إذا الله أعطانا عمر 12 سنة ما فيه عائلة، أذكرك بهذا الكلام، أنت الحين تعرف ما عندهم قرار، فيه خلاف شديد بين سلطان وعبد الله بن عبد العزيز، شوف اللي منسقين من السعودية الناس اللي ما عندهم كرامة مصر والأردن وبالذات مصر، أما الإمارات فعندها مشكلة مع السعودية، رايح تخترب علاقاتهم إلى الأبد، والله يا معمر إنهم منتهين، مصر والسعودية هم اللي حلوا الخزي على العرب، والأمريكان لو نجحوا في العراق، الخطوة الثانية على السعودية، هذه أكيد يعني ما بهدئ التهدئة اللي انت تعتقدها، والله ليس لأنهم اختلفوا مع القذافي أو مع هؤلاء، هم الذين أذونا، شوف تاريخ العرب هم دائماً يطعنون في الخلف.
* *
ويستمر أمير قطر السابق في الحديث مع القذافي بهذه الأفكار السفيهة، والكلام الرخيص الذي لا يصدر عن رجل رشيد، يقول: مستحيل مستحيل فيه غضب في المنطقة الشرقية، وفيه غضب في جيزان، في عسير، في حائل اللي سلبت السلطة منهم، وفي الحجاز، وأنت تتصور أن الشيعة ضد العائلة الحاكمة، والجنوبيين الذين هم من الزيديين والحوثي والإسماعيلي ضد العائلة الحاكمة، والآن العمود الفقري أصبح ضد العائلة الحاكمة، ايش بيكون المستقبل، على فكرة في عدد من المساجد يتجمهرون فيها والأعداد تزيد، وسعد الفقيه برنامجه ماشي في السعودية، واحنا اللي خلقنا قناة الحوار في لندن، واحنا اللي بنغذي قناة الجديدة في لبنان، حتى سعد الفقيه ترى ما فيه مشكلة، توهم استضافته الجزيرة كذا مرة للتعليق على الأحداث، وسعد الفقيه فيه محطتين يستطيع أن يتكلم منهما وهما الحوار والجديدة في لبنان.
* *
هذا ما يحدث من قطر ضد أشقائها، وما خفي أعظم وأكثر، فماذا لو تم العثور على مزيد من التسجيلات القطرية ضد المملكة وبقية دول الخليج، أعتقد أننا سوف نجد المزيد من هذه الترهات، ثم تأتي قطر وتنفي علاقتها بالإرهاب، وهل هناك إرهاب أكثر مما تحدث به أمير البلاد السابق بهذا التسجيل الذي يرتقي إلى أعلى سقف في ممارسة التآمر والخسة والإرهاب، ثم يطالبون بالحوار، والجلوس على طاولة واحدة، وكل هذا الحقد والكراهية والعدوانية تصدر على لسانه بالتعاون مع مجرم آخر هو معمر القذافي، في زمن فقد فيه هؤلاء المروءة والشهامة والأخوّة الصادقة، وأصبحوا يتحدثون بهذه اللغة الكريهة، دون خوف أو خجل.
* *
لقد انتهى القذافي ونظامه، وأُجبر حمد على التنازل، وبقيت المملكة قوية بأكثر مما كانت حين كان يتبادل حديث المؤامرة مع معمر القذافي، وما قاله في الشريط المسجل لا يعبّر عن حقيقة الوضع في المملكة لا في الماضي ولا في هذا اليوم، وهو ما يجب أن يعرفه الشعب القطري الشقيق عن حكامه وسلوكهم ودعمهم للإرهاب، وأنهم هم المسؤولون عن هذه التداعيات المتسارعة التي تمس مستقبل قطر بسبب هذا الإرهاب الذي تمارسه السلطة على الملأ وبكل وضوح، دون أن تدرك اليوم عواقب ما صنعته أيدي هؤلاء الذين يتولون زمام الأمور في قطر.