كوثر الأربش
أعرفهم جيدًا، كلنا نعرفهم، هؤلاء الذين تتوقف عند وحشيتهم كل قواعد الأخلاق، تنطوي وفق أهدافهم. أعني بالطبع «المتطرفين». خصومي القدماء، خصومك أنت أيضًا.. خصوم كل محب للسلام، المتطلع لحياة بلا شراسة. نحدق في أعمال الشر من حولنا، القتل، التدمير، طرد الناس من بيوتهم، حرق المدائن! بكل ذهول الكون نتساءل: أين ضمائرهم؟ لا يشعرون؟
نعم، وبكل أسف، إنهم لا يشعرون، ليس لأنهم خلقوا بلا مركز للإحساس، ليس لأنهم لم يعرفوا قط ـ مثل كل البشر ـ منظومة الصواب والباطل: أنّ انتهاك المال، والأرواح، يُعَد باطلاً بكل الأديان والمذاهشب. بل حتى من ليس له دين، له ضمير. لكنهم لا يشعرون بوجع الضمير حين يوجعون.
مركز اعتدال الذي دشنه الملك سلمان والرئيس الأمريكي ترامب، بكل تلك الإمكانات التقنية والبشرية (360 خبيراً ومختصاً)، والأنظمة الرقمية التي يمكنها اكتشاف النشاط المتطرف في الفضاء الرقمي، خلال 6 ثوانٍ من توفر البيانات.
لماذا استهدف التطرف، ولم يصب كل جهوده لمحاربة الإرهاب؟ هكذا قد يسأل أحدهم. كنت أقول دائمًا إنني أعتبر «التطرف» - أخطر أعداء الحضارة. غير أنّ البعض كان يطرح دائمًا هذا التساؤل: ما الأخطر الكراهية والشتم أو التفجير بالأحزمة الناسفة؟ قلتُ، وأقول، وسأقول حتى آخر نَفس: إنّ من يكره، يشتم، يلعن، أو يحرض، دون أن يصيبه الأرق من فرط الندم، سيقتل يومًا ما، دون أن يندم. إن من يفكر بأحقية الموت لخصمه، سيقتله واقعًا، لو وجد الفرصة فقط. السر وراء موت الضمير ذاك، أنه لا ينظر لسلوكه بمعيار الخير والشر، إنما للضحية باعتبارها شرًا محضاً. يقول ايريك فروم «أكثر الطرق فعالية لخنق تأنيب الضمير إقناع أنفسنا والآخرين أنّ الذين أخطأنا بحقهم ، هم بالعقل مخلوقات شريرة تستحق أقصى العقوبات، بما فيها الإبادة».
لذا، فإنّ الفكرة هي الزناد، أما الفعل فهو الطلقة. لهذا سخّرت كل تلك الإمكانات في مركز الاعتدال بالرياض، لمحاربة الفكرة، تنقية العقول وتربية الحس الإنساني من جديد. قال الأمين العام للمركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف الدكتور ناصر البقمي في افتتاح المركز: « المبادرة بإنشاء هذا المركز ليكون تكتلاً عالمياً رفيع المستوى، يستهدف مكافحة الفكر المتطرف بشتى وسائله وطرقه، وعبر بؤره ومحاضنه، موقنة أنّ التطرف هو الجذر الأساس لكل سلوك إجرامي يسعى لتدمير الحضارة البشرية، وتفكيك روابطها الإنسانية، ونشر الفوضى والدمار».