د. جاسر الحربش
ما هو الهدف الافتراضي من المقاطعة الشاملة كرد فعل على عمل حكومي عدواني؟ الهدف هو أن المقاطعة سوف تضطر شعب الحكومة العدوانية إلى الضغط على حكومته لتصحيح علاقاتها مع الطرف الآخر والاعتذار له. هذا الافتراض قد يصح عملياً في ذلك العدد القليل من الحكومات التي تخضع للرأي الشعبي نظراً لتوافر إمكانيات وآليات الضغط القانونية والجماهيرية. كم هو عدد الحكومات في عالمنا اليوم التي تتوافر فيها هذه الشروط؟ أظنها لا تزيد على أصابع اليد، وليس في العالم العربي والإسلامي منها ولا واحدة.
فرض المقاطعة الكاملة على العراق بعد حرب الخليج الثانية لم يؤثر في الطبقة الحاكمة في بغداد، لا في المأكل والمشرب ولا الملبس والعلاج، ولم يجعل العراقيين يتجرؤون وينزلون إلى الشوارع للضغط على الحكومة. النتائج كانت عكسية سببت وفاة مئات الآلاف من الأطفال العراقيين بسبب سوء التغذية، ومثلهم من المرضى والعجائز بسبب انهيار الخدمات الصحية. المعاناة كانت بالكامل من لحم ودم الشعب العراقي.
القرارات الأممية المتكررة بمقاطعة إيران أفقرت الشعب الإيراني وجعلت كافة الإمكانيات المعيشية تتركز في أيادي النخب الموالية للحكومة والحرس الثوري، لكنها لم تجعل الشعب الإيراني ينزل إلى الشوارع بسبب الخوف من آلة البطش الرهيبة المتمثلة بالحرس الثوري وميليشيات البسدران. حتى نتائج الانتخابات المفبركة سرقت من الشعب بقوة السلاح عندما اتضح سقوط مرشح الولي الفقيه للرئاسة.
مقاطعة حكومة جنوب أفريقيا البيضاء العنصرية قبل التحرير أفقرت المواطنين السود، وما صحح المعادلة كان كفاح حزب المؤتمر الوطني الأفريقي المسلح، وهذا كان موجوداً وشديد الفعالية قبل قوانين المقاطعة. مقاطعة الحكومة البيضاء آنذاك كان خطوة عنصرية أمريكية أوروبية لإنقاذ البيض في جنوب أفريقيا من الخروج منها مهزومين بالمطلق وبدون حقوق المواطنة.
الآن المواطن العربي في الخليج أصبح شاهد عصر على مروق إحدى حكوماته (وليس شعبه) وتلاعبها بأمن المنطقة، بما في ذلك أمن شعبها، أي الشعب القطري الشقيق، بكل معاني كلمة شقيق. الآن يطبق حصار اقتصادي وتواصلي على قطر، الهدف منه جعل المواطن القطري يدرك خطورة لعب حكومته بالنار، لعله يجد أذناً صاغية عندها لتصحيح الخطأ والاعتذار والالتزام بمصلحة وأمن الجميع في المنطقة.
هل من المتوقع أن يحدث ذلك؟ لا أعتقد. المواطن القطري بدأ يعاني بالفعل، أما حكومته فتوغل في التعنت والعناد وتفتح المزيد من الأبواب لأعداء المنطقة التاريخيين.
ما هو الحل الصحيح إذاً؟
الحل هو أن يركز على شل حركة المسؤولين في الحكومة القطرية والمرتزقة بالدين والإرهاب من حولها، براً وبحراً وجواً واستهدافهم هم بالذات في كل مكان. المواطن القطري لا ذنب له في جرائم حكومته وعملائها ولا يمتلك إمكانيات التصحيح.