عبده الأسمري
وحدهم الرواد عندما يرحلون يتركون أثرا يستحوذ على الأولويات ويخلفون مآثر تخلد اسمهم كبصمات بشرية خدمت الإنسانية والمعرفة.
شخصية مركبة وتركيبة علمية نادرة كانت وجها للعلم وركنا للريادة الطبية ورمزا للعصامية.. بدأ من الصفر باتجاه أرقام لا تزال تحتفل بالنماء كان رجل أعمال في جلباب طبيب.. واستشاري بتفاصيل إنسان.. ورائد بتفصيلات أكاديمية علمية إنه رجل الأعمال الطبيب الشهير الدكتور سليمان فقيه رحمه الله أحد رواد مهنة الطب في السعودية والخليج وأبرز أطباء الباطنة عالميا .صاحب الفكر النير ومالك الابتكار في مجالات الطب والاستثمار الصحي وأحد وجوه المهنة الذين أشبعوها بحثا وأمطروها دراسة واكتشاف.
في مكة العامرة بالفضل العاطرة بالنبل ولد وترعرع وفي أحياء السليمانية والحجون والعزيزية جال طفلا وصال نابغا يراقب جموع المعتمرين والزوار نهارا وهي تتأهب لأداء المناسك ويترقب ليلا والده وأعمامه وأصدقاءهم وهم يعقدون مجلسهم المسائي في مركاز الحي فنمت في ذاكرته «أحاديث العلم» و»نصائح العمد» و»مرتكزات الكفاح». وتنامت في مخيلته مشاريع سبر أغوارها بالجد وأكمل أطوارها بالمجد.
كان يوم ولادته احتفالا أسريا تزامن مع المحفل الوطني بتوحيد الوطن فكان الفأل حليفه ووصيفه في هذا التزامن الذي طالما احتفل وابتهل ورفل به الراحل في مجالسه وبين أحبابه.
بوجه مكاوي دائري مألوف يتقاطر أدبا وينضخ علما وملامح تتشابه مع والده وتتكامل في إطاراتها مع سمات أسرة «فقيه» وسحنة معتقة بسمة «المكاويين» وسرور «الحجازيين» ومحيا ودود يتوارد منه سكون العالم وفنون المبدع وصوت جهوري يتراوح بين الجد والود تتسامى منه عبارات علمية بلغة انجليزية دقيقة وتتعالى منها أمثلة حجازية شهيرة تعلمها من مدرسة الحياة وحكم معرفية استلهمها من مقومات الكفاح وعبارات فريدة تغلب عليها اللغة العلمية والمفردة العملية أشبع الدكتور فقيه رحمه الله منصات المؤتمرات وسجلات الإنجازات بعلمه وفكره وشهاداته التي لا تزال محفورة في لوحات الشرف في أغلب جامعات العالم كصاحب أولوية ومالك مثالية في النجاح والفلاح.
تلقى الدكتور فقيه التعليم العام في مكة المكرمة إلى أن وصل إلى الثانوية وتخرج من مدرسة تحضير البعثات عام 1948 مؤهلا ببعثة خارجية إلى مصر لدراسة الطب والهندسة، ونال بكالوريوس الطب من كلية القصر العيني وتحصل على درجة الامتياز 1957، وبعدها تخرج من جامعة عين شمس العريقة 1960 ليكون أول سعودي ينال شهادتي البكالوريوس والدبلوم في الأمراض الباطنية عاد لأرض الوطن ليزف بالأهازيج المكاوية كرمز لجيله وعز لرعيله وافتتح عيادته الخاصة 1961 بمكة ثم تعين مديرا لمستشفى أجياد المركزي وبعدها مديرا لـ مستشفى الولادة ثم نائبا لمدير عام الشؤون الصحية بمكة المكرمة ثم مديرا عاما للشؤون الصحية بالمنطقة الغربية وذلك حتى عام 1978 والتي قام فيها بإنجازات لا تزال مقترنة باسمه.. ولأنه شغوف بالريادة وبالاستثمار الذي جبلته عليه أسرته وصقلته فيه طبيعته قرر إنشاء مستشفى الدكتور سليمان فقيه بجدة والذي شكل نقلة نوعية في مستوى الاستثمار الصحي ولحبه للعمل ولرؤيته الثاقبة ويقينه بمبادئ التكامل عمل بمستشفاه في ثلاثة مناصب مركبة ومنوعة في آن واحد، مديرا إداريا وفنيا وعاما مشرفا بنفسه على أدق تفاصيل العمل ومطالب المرضى وراحتهم. في عام 1987 افتتح الملك فهد رحمه الله التوسعة الأولى بالمستشفى والتي كانت بمثابة «امتياز وطني» حيث تم إنشاء مراكز متخصصة لجراحات القلب المفتوح والمخ والأعصاب وعلاج أمراض الكلى ومراكز العقم والخصوبة.
وفي عام 1999 افتتح الملك عبدالله رحمه الله مبنى جديد لعيادات الأطفال وحديثي الولادة وجراحات التجميل ومراكز تحسين الصحة ومراكز اللياقة البدنية.
وفي خطوة رائدة تسجل باسم الدكتور ومنشأته عام 1995 تم عزل مختبر الفيروسات لأول مرة في السعودية، وفي عام 1996 إقامة عدة مختبرات لمكافحة الفيروسات واكتشافات في مجال مكافحة الأمراض.
لم يتوقف الدكتور فقيه فقد ظل مسكونا ببعد نظر حيث تمكن من وضع خطط إستراتيجية قادت المستشفى لأن ينال الريادة خليجيا وعربيا في مجال زراعة الأعضاء. ونال المستشفى عدة اعتمادات دولية وجوائز وامتيازات في مستوى الجودة والأداء والجراحات والمسؤولية الاجتماعية على مستوى الشرق الأوسط والعالم.. في عام 2014 توفي الدكتور فقيه في جدة التي عاش فيها ركنا بشريا من أركان التنمية وفي مكة التي تربطه بها قصة عشق وملحمة عبق ووري جثمانه في ثراها الطاهر..
رحل وبقت بصمته الذهبية في خارطة الطب البشري حاضرة وصيته يتردد في آفاق العلم وأفق العالم رائدا للطب وأنموذجا ومنهجا في مجال الاستثمار الصحي.