في أركان متفرقة من جدة التاريخية، يجلس مجموعة من الحكواتية ضمن فعاليات مهرجان حكايا مسك الذي تنظمه مؤسسة محمد بن سلمان بن عبدالعزيز «مسك الخيرية»، تميزوا بسرعة البديهة واللباقة والعصف الذهني لاستحضار العبارات الترحيبية والأحاديث التفاعلية مع زوار المهرجان، وهو ما جذب صغار السن والشباب إلى الإنصات إليهم وتوثيق لحظاتهم بالصوت والصورة عبر هواتفهم الذكية.
مشاركة الحكواتية تنوعت ما بين سرد قصص ارتجالية عن الحياة الحجازية القديمة ومقارنتها بالحديثة منها، وأخرى مستقاة من القرآن الكريم، فضلاً عن المجسات والمواويل الترحيبية وتبادل النقاشات السريعة مع الحضور.
ويؤكد الحكواتي صدّيق عبدالعزيز الصدّيق، أن القصص التي يرويها للزوار تأتي بطبيعتها، لا سيما وأنه عاشها منذ الصغر، وتعلمها من والده وأجداده بالفطرة، ويقول « تعتمد تلك القصص بشكل كبير على الترويج للمبادئ الطيبة وفضائل الأخلاق كالإحسان إلى الجار وبر الوالدين وغيرها، مع المحافظة على العادات والتقاليد وحمايتها من الاندثار». ولفت إلى ضرورة اجتماع الأسر مع أبنائهم منذ الصغر عبر جلسات عائلية تفاعلية لغرس السلوكيات الإيجابية في نفوسهم، وتخفيف السلبيات الناجمة عن التقدم التقني الكبير وتسارع عجلة الحياة. وأضاف «ساهمت التقنية الحديثة في تقريب المسافات البعيدة، ولكنها في الوقت نفسه أثرت بشكل سلبي على قوة الترابط في العلاقات الاجتماعية، ولكي نحافظ على أواصر المحبة فيما بيننا بات لزام علينا إعادة إحياء الحكواتي من جديد بين أفراد الجيل الحديث».
ويستطيع المتجول بين ممرات حكايا مسك، مشاهدة لوحات حية لعمد أحياء جدة التاريخية، وهم على مراكيزهم يجتمعون بكبار السن من أعيان المنطقة ليتجاذبون أطراف الحديث ويستعيدون ذكريات الحياة القديمة أولاً بأول، في مشاهد تعيد الزوار بذاكرتهم إلى ما يعرف باسم «أيام الطيبين».