محمد الكثيري
إذا كنا، سابقا، نطالب بالاهتمام بتجارتنا الخارجية، وضرورة أن يكون لها استراتيجية مستقبلية واضحة، لدعمها وتطويرها ورسم مساراتها، فإنَّ تلك المطالبات، بعد اعتماد رؤية 2030، وبعد التغيرات التي بدأت تطغى على الساحة الدولية، وبالذات وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة، أصبحت أكثر إلحاحا الآن، وذلك لأهمية قراءة المستقبل والاستعداد له بأسلوب منهجي واضح، وخطط وبرامج مدروسة، تحدد الواقع، وتستشرف التغيرات المستقبلية وتستعد للتعامل معها.
اعتمدنا رؤية 2030، والتي نصت صراحة وبوضوح، بل بطريقة أكثر جدية وصرامة، على ضرورة التنويع الاقتصادي، بهدف تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل، وذلك من خلال الاهتمام بالصناعة وتحسين الخدمات اللوجستية وغير ذلك، انطلاقا من قوتنا الاستثمارية وموقعنا الجغرافي، حيث قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا بما تحمله من أهمية استراتيجية، وفرص استثمارية واقتصادية وتجارية.
إن الوصول إلى هدف تنويع مصادر الدخل، وتقليل الاعتماد على النفط، لن يتحقق بالاعتماد على السوق الداخلي، رغم القوة الشرائية المتوفرة فيه، بل إن التوجه الذي تتبناه الدولة لإنشاء العديد من الشركات الاستثمارية والصناعية، يجعل الحاجة ماسة إلى إيجاد منافذ تسويق وبيع خارجية تستطيع أن تستوعب مخرجات ومنتجات تلك الشركات، حيث السوق المحلي سيجد نفسه وقد وصل إلى مرحلة التشبع وعدم القدرة على تصريف تلك المنتجات.
الاستعداد لتلك المرحلة، يتطلب العمل من الآن على تهيئة تجارتنا الخارجية، كي تكون جاهزة للتعامل مع ذلك المستقبل الذي يحتاج الكثير من الجهد، والعمل، والتخطيط حتى لا نتفاجأ حينما نواجه الواقع، ونكون أشبه بالتاجر الذي جلب بضاعته من مصادرها ليفشل في تسويقها، حيث لم يعد العدة لذلك.
الأمر الذي يجب التأكيد عليه هنا، أنه كلما زاد إنتاجنا، أدَّى ذلك لسعي الكثير من الدول لخلق العوائق والمشاكل التي تحد من انسياب تجارتنا خارجيا، كما حدث، ويحدث، مع قضايا الإغراق التي ترفع ضد المنتجات السعودية من وقت لآخر، بل إن رفع الدعم عن الوقود والكهرباء وغيرها، يضع منتجاتنا في موقف تنافسي صعب، يتطلب معه جهدا قويا من الجهات الحكومية لدعم صادراتنا والدفع بها إلى الأسواق العالمية.
الحاجة إلى استراتيجية واضحة لتجارتنا الخارجية، والاهتمام بها، لا ينبعان فقط من اعتمادنا لرؤية 2030، ولكن أيضاً من التغيرات والتطورات التي بدأت تأخذ مجراها في ميدان التجارة العالمية، بعد وصول الرئيس الأمريكي ترامب إلى السلطة، وحديثه المستمر، بل وقراراته التي بدأ تفعيلها، ومواقفه التي أخذ يتبناها تجاه التجارة الخارجية، واتفاقياتها ومنظمتها المعروفة بمنظمة التجارة العالمية.
إن موقف الرئيس الأمريكي من الاتفاقيات التجارية التي وقعتها الحكومات الأمريكية السابقة مع العديد من الدول بهدف تسهيل التجارة ينبئ بمستقبل غير معروف لحركة التجارة العالمية، وقد نجد أنفسنا وقد عدنا إلى موضوع الحمائية الذي كان هو الشغل الشاغل للكثير من دول العالم، وبالذات الصناعية منها، خلال السنوات الماضية، حيث قامت تلك الدول باستخدام جيوشها من القانونيين والاقتصاديين، الذين أسهموا في صياغة نظام التجارة الدولي، والمرتكز في أصوله على محاربة أي عوائق تحد من انسياب التجارة، وسرعة وسهولة حركتها، وفي الوقت نفسه تبني المبادرات واتخاذ القرارات وفق ما يعرف باتفاقيات تيسير التجارة التي تهدف إلى دعم الحركة التجارية العالمية وتسهيلها.