«الجزيرة» - محمد العيدروس / تصوير - إبراهيم الدوخي:
أكد المستشار بالديوان الملكي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي أن الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي الذي تشهده المملكة - ولله الحمد -، وتنفرد به عن بقية الدول، بسبب قيامها على منهج الإسلام الصحيح، وترابط شعبها بقيادتهم، وقناعتهم الذاتية بذلك.
وقال في حور لـ «الجزيرة» إنه لا مجال في المملكة لأي من الجماعات أو الأحزاب أو الطوائف التي تسعى لتفرقة شعبها، أو إضعاف التفافهم حول قيادتهم، والمملكة لها منهج متميز في الثبات على الإسلام والانفتاح على العالم أجمع.
وشدَّد د. عبدالله التركي على ماهية الأمن الفكري، وترسيخه في المجتمع، وقال: إن جميع الجماعات الإرهابية قامت بسبب خلل شاذ في الفكر والتصور وسوء التفسير للنصوص الشرعية، خاصة نصوص الجهاد والولاء والبراء، وغيرها.
إلى نص الحوار:
* معالي الشيخ.. كثرت وانتشرت في المجتمعات الإسلامية أحزاب وجماعات، ألبست أعمالها السياسية بالدين.. في اعتقادكم ما الأسباب؟
- هذا موضوع في غاية الأهمية. ولعل السبب الرئيسي وراء انتشار هذه الأحزاب أو الجماعات في دول العالم الإسلامي هو الضعف العام لتلك الدول، وعدم ارتباطها بالإسلام وقيمه وأحكامه.
ولو أردنا أن نوازن واقعيًّا بين ما يحصل في العديد من الدول الإسلامية ووجود جماعات وأحزاب وفرق وطوائف، والانتماءات المتعددة للداخل والخارج، وما يحدث في المملكة العربية السعودية، نجد أن المملكة - ولله الحمد - قامت منذ الأساس وفي عهدها الأول، منذ عهد الإمام محمد بن سعود، على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وطبقت الشريعة الإسلامية، وحرصت على جمع كلمة أبناء المملكة أولاً، ثم التعاون مع بقية الدول العربية والإسلامية.
ومن هنا لم يكن هناك مجال على الإطلاق لظهور جماعات أو طوائف أو أحزاب في المملكة العربية السعودية؛ باعتبار أن قادتها آمنوا بهذا الدين الذي يؤمن به شعب المملكة العربية السعودية، وحرصوا على ربط أبناء المملكة بسلفهم الصالح.
وبالتالي ليس هناك مجال لأي طائفة أو فرقة، ولكن هناك عكس ذلك في كثير من البلدان الإسلامية التي لا تطبق الشريعة الإسلامية. وحتى ارتباط تلك الدول بتاريخ العرب والمسلمين ضعيف، وهذا يتعارض مع قناعة الكثير من أبناء تلك البلاد؛ وبالتالي أصبح هناك خلاف بين الشعوب وقيادتها، وأصبحت هناك انتماءات وتأثرات متعددة؛ وبالتالي ظهرت الطوائف والأحزاب.
ولو نظرنا لواقع كثير من دول العالم العربي والإسلامي لوجدنا أن أعداء الإسلام هم من يقفون وراء هذه الفرق والطوائف؛ فالامتداد الطائفي الموجود في سوريا ولبنان والعراق واليمن وغيرها مدعوم من قوى لا تريد الإسلام الحقيقي الذي تسير عليه المملكة العربية السعودية.
أعتقد أن السبب الرئيسي في وجود الجماعات والطوائف والفرق والأحزاب، سواء كانت تنتسب للإسلام أو غيره، هو أن تلك الدول لم تقُم على المنهج الإسلامي الصحيح؛ ومن هنا تميزت المملكة منذ توحيدها بالسير على منهج كتاب الله وسنة رسوله على يد الملك عبدالعزيز - رحمه الله -.
فالمؤسس حينما وحَّد هذا الكيان الكبير جمع أبناءه على الإسلام الذي سار عليه سلف الأمة، ويؤكد في مناسبات عديدة أننا لسنا بأصحاب مذهب جديد، ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - هي تجديد للدين، وربط الناس بالكتاب والسنة. والمملكة سارت على منهج صحيح، وجمعت أبناءها على هذا الدين؛ وبالتالي لا مجال لأي طائفة أو حزب؛ لأن الشعب مرتبط بقيادته وولاة أمره.
وهنا ندعو جميع حكومات الدول العربية والإسلامية التي ابتليت بالطائفية والحزبية والجماعات إلى أن تعود إلى المنهج الإسلامي الصحيح في التعامل مع شعوبها وأبنائها، وأن يكون هناك تضامن وروح أخوَّة إسلامية بين جميع دول العالم الإسلامي.
* الأمن الفكري ركيزة أساسية من ركائز المجتمع.. ما الأطر الأساسية لتفعيل وترسيخ العمل الفكري الصحيح في المجتمع؟
- الأمن الفكري هو الأساس لأنواع الأمن الأخرى، كالأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي؛ باعتبار أن الأمن الفكري هو القناعة الذاتية والمنهج الصحيح الذي ينبغي أن يسير عليه الإنسان والمجتمع.
ولا شك أنه حينما يستقيم الإنسان في فكره وقناعاته سوف يستقيم في سلوكه. ولكن لو صادف ووجد خللاً لديه في الأفكار والقيم والآراء فهذا يؤثر على سلوكه بشكل عام.
إن الجماعات الإرهابية التي أساءت لمجتمعاتها ولدينها وأمتها.. أسباب قيامها الخلل في الفكر والخلل في التصور، وتفسيرات غير صحيحة لنصوص شرعية في الجهاد والولاء البراء، وكيفية التعامل مع غير المسلمين.. وهي تصورات فكرية خاطئة، لا تتفق مع منهج الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا مع منهج أصحابه - رضوان الله عليه - ومَن سار على منهجهم فيما بعد.
المملكة العربية السعودية لها منهج متميز في الثبات على الإسلام، والانفتاح على العالم أجمع.. ومن هنا فكثير من المشكلات التي حصلت، سواء من الإرهابيين أو المتطرفين أو من الطائفية المدعومة من إيران وغيرها، ناشئة من خلل فكري في الأساس.
ومن هنا علينا التركيز في كيفية تحقيق الأمن الفكري في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
ولا بد أن يكون عند كل مواطن القناعة بأن عليه مسؤولية جسيمة تجاه وطنه في قضية أمنه واستقراره.
نحن في المملكة نحمد الله أن شعبها لديه قناعة كاملة بأهمية هذا الوطن عربيًّا وإسلاميًّا، وأهمية الالتفاف حول قيادته والتعاون معها. وهذه الأفكار والقيم يجب أن تنغرس في أذهان الجميع صغارًا وكبارًا، وعبر الوسائل الإعلامية والتعليمية والثقافية.
ولا ينبغي أن يكون لدى أي مواطن فكر شاذ أو خلل في فهم النصوص، وإذا وُجد ذلك فينبغي أن يُناقش، وتُوضح الصورة الصحيحة.
وأعتقد أن المملكة قامت بواجبها على أكمل وجه، وتحديدًا في وزارة الداخلية عبر مركز المناصحة وبقية الأجهزة التي لها علاقة بالأمن الفكري، وعلينا التركيز على القيم والأسس الدينية والوطنية. لا بد أن تكون واضحة وراسخة في ناشئتنا؛ حتى يكون لديهم أمن فكري؛ فالفكر هو تصور الإنسان ورؤيته للأحداث، وكثير من الجرائم التي عندما تقع يكون سببها أن هناك خللاً في فكر الإنسان، ولو أن السارق أو القاتل مثلاً لديه قناعة كاملة بأن هذا محرم حرمة قطعية، وأنه سيعاقَب عليه في الدنيا والآخرة، لما فعله.
* ينادي البعض بضرورة تطوير لغة الخطاب الديني لاستيعاب متغيرات العصر الحديث.. هل تتفقون مع هذا التوجه؟
- الأصل في الخطاب الديني أن يتعامل مع كل إنسان وكل بيئة بما يناسبها، وأن يركز على الأولويات التي تهم هذا الشخص أو هذه البيئة؛ لأن أسس الإسلام الثابتة لا إشكال فيها، ولكن الأسلوب وطريقة التعامل والتركيز على الأولويات في غاية الأهمية. وحينما تأتي إلى إنسان وترغب في نصحه فلا بد أن تدرك ما الذي يؤثر على هذا الشخص فتركز عليه في الأسلوب.
على الخطاب الديني أن يهتم بهذه القضايا، وهذا معنى التطور. أما تغيير الخطاب الديني بأن لا نرتبط بالماضي، وأن لا نركز على النصوص الشرعية، فهذا غير صحيح؛ لأن النصوص الشرعية وحي من الله لكل الناس إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها؛ وهي صالحة لكل زمان ومكان.. ويبقى السؤال كيف تُطبَّق؟
فحينما يأتي الخطيب أو الداعية في بيئة تركز على الطائفية أو الفُرقة فينبغي أن يعطي هذا الموضوع أولوية.
وإذا كان في هذا المجتمع مثلاً مشكلات اجتماعية فيعطيها أولوية، وإذا كانت اقتصادية فيوليها أهمية.
وإذا كان الداعية في مجتمع يهتم بتاريخه وماضيه وثقافته فلا بد أن يكون للداعية ثقافة عن هذا المجتمع وتاريخه والقضايا التي تؤثر فيه؛ وبالتالي ينطلق لإقناع الآخرين والدخول معهم فيما هم في حاجة إليه.
البعض من الدعاة والخطباء قد يتحدثون حول قضايا صحيحة ومنطقية، ولكن قد لا تكون لها أولوية.
ومن الأهمية بمكان تأهيل الدعاة وتثقيفهم بالشكل الصحيح الذي يؤثر في الآخرين.
* الاستقرار والتلاحم اللذان تشهدهما المملكة العربية السعودية - ولله الحمد - إلى ماذا ترجعونهما؟ وما أساسهما من وجهة نظركم؟
- المملكة لديها خصوصيات، لا توجد في أي من الدول العربية والإسلامية، أبرزها قيامها على الإسلام، وتطبيقها الشرعية الإسلامية، ووجود الحرمين الشريفين بها.. وهي في الأساس بلاد العرب الذين انطلقوا منها.
فالإسلام حمله أبناء هذه البلاد للعالم، وانتشر في كل مكان. وهذه الخصوصية التي تنفرد بها المملكة جعلتها تتميز في كثير من الأمور. ومن نعم الله أن قادة المملكة في مختلف المناسبات يركزون على هذا الأمر، وينطلقون من هذه الخصوصية. وشعب المملكة العربية السعودية - ولله الحمد - يدرك هذه الخصوصية، ويهتم بها، ونحن نؤكد أنه على كل مواطن وكل مقيم أن تكون هذه الخصوصيات واضحة في أذهان الجميع، وأن تحترم؛ فالمواطنون يمثلون المملكة ومنهجها في التعامل، سواء مع العرب المسلمين أو غيرهم.
إن الذي ميَّز المملكة وميَّز شعبها هو المنهج الذي سارت عليه.
فالملك عبدالعزيز - رحمه الله - له منهج واضح ومتميز، سار عليه أبناؤه الكرام حتى العهد الزاهر للملك سلمان بن عبدالعزيز - أيده الله ونصر به دينه -. وبإذن الله سيستمر هذا المنهج؛ لأن ميزة المملكة وخصائصها واضحة في أذهان قادتها، وهو السبب الذي جعل أبناءها مرتبطين ارتباطًا وثيقًا بقيادتها.
* الجامعات الإسلامية في أنحاء العالم كافة.. ما أدوارها في مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن الفكري في مجتمعاتها؟
- الجامعات الإسلامية في البلدان العربية والإسلامية، بل حتى في بلاد الأقليات المسلمة، فيها علماء ومتخصصون في العلوم الشرعية والتاريخ والثقافة الإسلامية.. وهي محضن للقيادات الثقافية والفكرية، ولها دور كبير فيما يتعلق بتحصين الشباب بالذات من الإرهاب والتطرف والطائفية، بل تمتد الرسالة إلى المجتمع كله من النواحي العلمية والبحثية وخدمة المجتمع.
وصلتي بالجامعات الإسلامية وطيدة منذ أن كنت في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ثم من خلال التواصل عبر رابطة الجامعات الإسلامية التي تجمع كل الجامعات الإسلامية، ويقدر المتابعون لها ما تقوم به من جهد كبير في هذا الشأن. إن جامعات المملكة العربية السعودية تقوم بجهود كبيرة من الأبحاث والدراسات والمؤتمرات التي تركز على هذه القضايا. ورابطة الجامعات الإسلامية تعقد العديد من المؤتمرات والندوات وورش العمل لمواجهة الإرهاب والتطرف، وكيف يرتبط العرب والمسلمون بتاريخهم، وكيف تسهم تلك الجامعات في حل الأزمات.