عمر إبراهيم الرشيد
استعرت عنوان المقال من كتاب المفكر المصري الراحل الدكتور مصطفى محمود رحمه الله تعالى (رحلتي من الشك إلى الإيمان)، إذ إنه عنوان أحد فصوله، وخطرت لي فكرة المقال بعد قراءتي لقصة مدرسة في أقصى جزيرة نائية شمال سكوتلندا لا يقطنها أكثر من اثنين وثلاثين شخصاً فقط، نشرتها الزميلة (الشرق الأوسط). هناك ما يعرف في علم النفس بـ (تداعي المعاني)، أي أنه قد توحي لك كلمة تسمعها أو خبر أو قصة بمثلها مما قرأت أو سمعت أو شاهدت، فخطر لي أن أشرككم في هذه الخواطر كمقال خفيف تسلية وإفادة قدر المستطاع. يقول الدكتور مصطفى محمود رحمه الله تعالى، إن الخلوة مع النفس تهذيب لها، ومراجعة عقلية لما يمر بالمرء من تجارب يومية، إذا أحسن المرء ترك ما يشغله وروّض نفسه على التأمل والهدوء وهي من أفضل الوسائل لإفراغ الضغوط من النفس وتحفيز الخيال وإنعاش العقل ما ينعكس حتى على الصحة العامة.
أعود إلى قصة المدرسة في تلك الجزيرة الصغيرة النائية التي توصف بأنها تقع على حافة العالم، فقد نشرت إعلاناً تبحث فيه عن معلم لتلميذ واحد فقط، فالمعلمة الوحيدة سوف تغادر الجزيرة عائدة إلى البر الأسكوتلندي بعد أن قضت ثلاث سنوات ونصف السنة هناك، وكان هناك تلميذان في مدرسة فاولا الابتدائية تلك، إلا أن أحدهما سوف ينتقل إلى المرحلة الثانوية بنهاية هذه السنة تاركاً زميله وحيداً في تلك المدرسة. عندما قرأت هذه القصة خطر لي وضع المئات من المدارس في القرى والهجر في المملكة، وكيف تهدر موارد مالية وبشرية بل وتزهق أرواح وبالذات المعلمات في عمر الورد، في سبيل الوصول إلى مدرسة لا يتجاوز عدد تلامذتها أو تلميذاتها أصابع اليد الواحدة، وهذه ليست مبالغة ولكم أن تتأكدوا ولن يعجزكم ذلك . وبالطبع حين نقارن الوضع عندنا بالوضع في سكوتلندا أو غيرها من الدول الغربية أو الشرقية الناهضة فسنصاب بالدوار، ولن أكون متشائماً فالأمل أننا في طريقنا لتجاوز كثير من مشكلاتنا التنموية بإذن الله تعالى، لكن حالة هذه المدرسة أنها في جزيرة ولابد من توفير التعليم لساكنيها، إنما في حالتنا تنشأ مدارس في هجر وقرى لا يفصل الواحدة عن الأخرى أحياناً إلا كيلومتر!.
العزلة وهي مرادفة للخلوة، مشتهى مرهفي الحس والإنسانية، وعشاق القراءة وأصدقاء الكتب الأوفياء، ومحبي التأمل وغزيري العاطفة، وبالمناسبة فلطبيبة الأسنان والكاتبة الهنوف الدغيشم كتاب جميل يشير عنوانه إلى هذه المعاني، وغيرها من خواطر وتجارب الكاتبة في بلاد الراين والمعنون بـ(رقة العزلة)!
كم أتمنى وبسبب عالمنا هذا المنهك والواقف على حافة الجنون، ولو كانت الظروف غير الظروف كما يقول التعبير الدارج، لأكون معلماً في تلك المدرسة فأنعم بتلك العزلة حيناً من الدهر. خواطر أحببت أشرككم بها بعيداً عن المواضيع الثقيلة ونحن في شهر البركات، تقبل الله صيامكم وقيامكم وطيّب أوقاتكم.