عبدالعزيز السماري
تمر المنطقة العربية في حالة من التأزم غير المسبوق، وقد نكون في أوج مستويات الصراع والخلاف والضعف، وقد نشهد في المستقبل ما هو أسوأ، لكن الحاضر بالتأكيد زمن تحصيل المكاسب لأعداء البلاد العربية، وقد يكون السياسي المحنك والماهر في هذا العصر الردئ، الذي يملك القدرة على إخراج وطنه منها بدون خسارة في ميادينها المشتعله..
خسروا حضارتهم في الأندلس في صراعات مشابهه، وكانت النتيجة أن تم طردهم عن بكرة أبيهم من الأرض التي حكموها لثمانية قرون، ولو كانوا يملكون شيئاً من الحكمة لاتفقوا على الأقل على وحدة المصير، ولم تحدث الكارثة التاريخية لشعوبهم المنكوبة بسبب جهلهم السياسي.
لست عنصرياً ضد قومي، لكنهم أثبتوا للتاريخ أنهم أفقر شعوب الأرض في السياسة، فالمكيدة ولدت على أرض العرب، والثأر يجري في عروقهم، والهجاء يهيمن على أشعارهم.. ألم تتحارب قبيلتان عربيتان أربعين عاماً بسبب ناقة أسمها البسوس؟.. وألم يتقاتلوا من أجل السلطة بعد سنوات من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم..؟.
ألم يخاطبهم حكيمهم في معلقته الشهيرة: «ما الحرب إلا ما علمتم وذقتم».. كان يدرك رغبتهم البدائية والفطرية في حب العداء والشقاق والاقتتال والصراع وارتفاع صيحات المعركة، وكان يحاول أن يقول لهم أن الحروب لا تخلف إلا الدمار والحقد والكراهية والرغبة في الانتقام، لكنهم مع ذلك لا يتوقفون عن التفكير من خلال المكائد السياسية والصراع على السلطة.
لا أخفيكم سراً أن ما تضمنته الفقرات أعلاه استدعته الأزمة المتفجرة مع الأشقاء في قطر، فقد تفاجأت بكمية الكيد والعداء القطري، في زمن كنا نعتقد أننا أشقاء ونشترك في وحدة المصير والمستقبل، وأن الاستقرار ثمنه أن نكون صفاً واحداً ضد أعداء المنطقة، لكن الواقع أظهر أن النسق الجاهلي القادم من حرب البسوس، لا زال كامناً في هذا العقل، وأن السياسة لازالت تعني المكيده في قاموس قطر.
كان حلم بعض المفكرين والعقول أن تتحول بلاد العرب إلى واحات وميادين حضارية لتصدير الفكر والعلم والمنتجات إلى العالم، كما حصل في بلاد شرق وجنوب آسيا، وكما حدث قبل ذلك في بلاد الغرب.. لكنهم دوماً ما يفزعون من أحلامهم الوردية على صيحات القتال والصراع السياسي، وبعدها تتبدد الأحلام، ثم ينتظرون عقود أخرى على أمل أن تتخلص أمة العرب من نسق الجهل القديم.
يعيش العرب في مواسم لا تتوقف عن الرغبة في الهجرة إلى الشمال، إلى أوروبا حيث الأمن والسلام والاستقرار الاقتصادي، ويقبل كثير من أهالي العرب أن يركب البحر في قارب صغير، وأن يتعرض إلى خطر الموت والهلاك، على أمل أن يهرب من بلاد لا تعرف إلا لغة القتال والغدر.
تكرر مشهد غرق المواطنين العرب الهاربين من جحيمهم إلى درجة أن تحول إلى خبر مكرر في نشرات الأخبار، ولعل أشهر وأطول قوافل للاجئين في التاريخ كانت للسوريين بعد نشوء الحرب الأهلية، فقد اخترقت تلك القوافل الأمصار والبحار لكي تهرب بأرواحها من جحيم العرب.
لازال العرب يعيشون في ذهنية الجهل القبلي منذ حرب البسوس، ولم يتأثروا بمختلف المتغيرات التاريخية السياسية في الكرة الأرضية، ولم يدركوا بعد أن العالم في هذه العصر تحكمه مراكز الأبحاث والدراسات والأنظمة والدبلوماسية وحقوق المواطنين والقضاء المستقل والمشاركة والديموقراطية وقبل ذلك الاقتصاد المتين.
ألم يعبر شاعرهم الشهير عن تلك الذهنية في معلقته الأشهر: « ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا»..لعل من الحكمة أن يعي المرء العربي هذا النسق الجاهلي في العقل السياسي، وقبل ذلك أن يعي عقلاؤهم أن الحكمة تكمن أيضاً في القدرة على الخروج من نسق جهالة العرب، ثم الانغلاق عن هذا الواقع إلى أن يشاء الله أمراً آخر، والله المستعان.