محمد آل الشيخ
ليس ثمة ما يشير إلى أن النظام القطري الذي يُطبق عليه الابن والأب، سيثوبون إلى العقل وكذلك الموضوعية والعقلانية، ويُقيمون وضعهم الحالي بما تفرضه عليهم عوامل القوة والضعف.
وكنت متوقعًا منذ بداية الأزمة ألا يستجيبوا للعقل ويراهنوا على العنتريات ويكابروا، ويلعبوا بأوراق تورطهم في النهاية. المملكة والإمارات والبحرين وكذلك مصر لديها مجتمعة ومتفردة كثير من الخيارات التي بالإمكان أن تفعلها متى ما أرادت، وفي المقابل ليس لدى قطر ما يماثلها إلا إذا استعانت بقوات أجنبية، وهذا يستدعي من قطر تنازلات كبيرة، سواء على المستوى المادي أو السيادي؛ بل ربما تجد نفسها إذا ما طالت مدة الحصار والعزلة في ورطة تمس سيادتها واستقلالها، تمامًا كما حصل للأسد في سوريا، عندما استنجد بقوات أجنبية، فوجد نفسه في نهاية المطاف في وضع حرج من حيث قدرته الفعلية على ممارسة السيادة كما يجب أن تكون سيادة الدول المستقلة. ولأنني أعرف تميم ووالده، ومن يستشيرون، فلا أعتقد أنهما سيفطنان إلى قراءة استقدام قوات أجنبية لحمايتهما من أسرة آل ثاني أولاً، ومن الشعب القطري ثانياً، الذي لا يستطيع أن يتعايش مع هذه العزلة والحصار طويلاً، وأزمة قطر مرشحة مع الأسف لأن تطول. فمن خلال تصرفات الأب أولاً ومن ثم الابن، فهما على ما يظهر لي مكابران، ومقامران، وتكتنفهما حالة من المغالطة مغلفة مع قدر كبير من التفكير الرغبوي، مما سيؤدي بالأزمة إلى التفاقم أكثر. هو الآن كما تقول الأخبار استدعى قوات تركية في لحظة غضب، وكردة فعل آنية ومنفعلة، على قرار الحصار المحكم الذي وجد نفسه فيه؛ فهو - كما هو معروف - يرتبط بالرئيس التركي بروابط وشيجة أيديولوجيًا، أو كما أشار عليه مستشاروه من جماعة الاخوان. وفي المقابل وجد أردوغان في هذه الدعوة فرصة سانحة لا تعوض، سيستثمرها مستقبلاً في دعمه ماليًا للتعامل مع مشكلاته الاقتصادية، التي تفاقمت بعد الانقلاب الفاشل، الذي أرهق تركيا على المستوى الاقتصادي.
تميم ووالده تعودا ألا يهتما بالمال، إذا ما استحوذت عليهما الفكرة، فاتخذا قرار استدعاء قوات أردوغان، التي ستشكل لهما في نهاية المطاف أعباء إضافية، لا سيما أن الأزمة من المتوقع أن يطول أمدها، بشكل سيجعل منها مشكلة عويصة في المستقبل المنظور.
ولو عاد تميم إلى عقله، وقرأ المستقبل قراءة حصيفة، لاكتشف أن كل ما يطلب منه جيرانه الذين يحاصرونه، هو فقط مطلبان جوهريان لا غير، الأول: أن يكف عن التدخل في شؤونهم الداخلية، وتمويل المنشقين المعارضين؛ أما النقطة الثانية فتتمحور حول دعم حركات الإرهاب والتأسلم السياسي، سواء السنة منها، أو الشيعة، لأن هذا الدعم، خاصة الإعلامي منه، يجد فيه جيرانه تهديدًا حقيقيًا لبلدانهم، ومن حقهم أن يشعروا بقلق وريبة وهم يرون عدوهم الفارسي على حدودهم، بل وفي خاصرتهم. ولا يمكن لسياسي حصيف أن يمارس هذه الممارسات، ويطلب من جيرانه أن يثقوا في سلامة نواياه.
وليس لدي أدنى شك أن الزمن، ومقتضيات الجغرافيا، ليست في مصلحة تميم ووالده، وإنما في مصلحة مناوئيه من جيرانه الخليجيين. والسؤال الذي يطرحه السياق وبقوة: أليس في قطر أمام هذا المنطق والمبررات العقلانية رجل حصيف، يرده عن إلقاء نفسه بيده إلى التهلكة لينتحر؟
إلى اللقاء