إبراهيم عبدالله العمار
أمامك شخصان. الأول أمريكي، الثاني ياباني.
انظر لهما. كلاهما يرتدي حلةً زرقاء أنيقة. كلاهما أسود الشعر، نظيف الحذاء، مرتب المظهر، الطول متساوٍ، من الخلف متطابقان، من الأمام فقط شكل الوجه ولون الجلد يفرّق بينهما.
لكن الحقيقة أن الفرق بين الاثنين كبير.. كبير جداً. الفرق بينهما في الداخل، في العقل، في طريقة التفكير. وهذا يفيدنا به د. ريتشارد نيسبت في كتابه الشائق «جغرافية التفكير»، وهو عن فرق التفكير بين الآسيويين والغربيين، والفرق بين هاتين الحضارتين شاسع، وتبسيطاً للمسألة فكلمة «آسيوي» تشير إلى شرق آسيا مثل الصين واليابان وكوريا وغيرها، وهم بينهم فروق طبعاً لكن تجمعهم خصائل معينة، وكلمة «غربي» تشير غالباً للانغليز والمتفرعين منهم كالأمريكان والأستراليين. قد يدخل الأوروبيون في ذلك لكن أحياناً كثيرة لهم مبادئ مختلفة عن الانغليز والأمريكان.
لنر أمثلة من الفروق بين الآسيوي والغربي أن الأخير يعشق الفردية ولا يعيش بدونها. يرى الغربي لكل شخص صفات تميزه عن غيره، وأن الناس (كل الناس) يحبون التفرد والتميز عن غيرهم. يؤمن الغربي أن تحقيق النجاح والأهداف الشخصية هو هدف البشر، وأن العلاقات الاجتماعية تعيق هذا الهدف أحياناً. لكن الآسيوي مختلف، وخذ هذا المثل الدارج الذي يبين نظرتهم لهذا الأمر: «إذا بَرَز المسمار فليتوقع ضربة مطرقة». أي أنك إذا أبرزت نفسك عن غيرك فستكون عرضة للانتقاد والتمحيص والريبة. ذلك لأن الآسيويين يفضلون الأهداف الجماعية والعمل المشترك وليس التميز الفردي، بل يضعون أولوية للتناغم الاجتماعي فوق النجاح الشخصي، لكن لا يعادون النجاح، بل برأيهم النجاح الجماعي هو الأفضل.
أخيراً ملاحظة طريفة، فالآسيوي رأينا أنه يرضى إذا شعر أنه يؤدي دوره الاجتماعي، ولذلك يذكر د. نيسبت استغراب الآسيويين إذا استضافهم غربيون، فيرون الأم الأمريكية تشكر ابنتها على مساعدتها في ترتيب المنضدة للضيوف، أو يشكر الأب ابنه على غسل السيارة، فيفكر الآسيوي: هذه أشياء على الشخص فعلها بدون أن يُشكَر لأنها دوره العائلي أو الاجتماعي!