أعاد مهرجان حكايا مسك، الذي تنظمه مؤسسة محمد بن سلمان بن عبدالعزيز «مسك الخيرية» في جدة التاريخية أمس الأول حتى يوم الثلاثاء المقبل، قصص وتضحيات الجنود المرابطين في الحد الجنوبي للمملكة إلى الواجهة أمام جمع غفير من حضور وزوار المهرجان على مسرح حكايا.
وخلال حديث والد الشهيد النقيب عبدالرزاق الملحم انهمرت الدموع، وارتفعت الكفوف تصفيقًا؛ لتنتهي حكايته على مسرح حكايا بقبلات على رأس والد الشهيد إعجابا بالشهيد ووالده، بعد مقدمة سردها الإعلامي مالك الروقي على مسرح حكايا مسك مستعرضًا قصة استشهاده أثناء تحرير جبل «الخروق» على الحدود في منطقة نجران جنوب المملكة.
وتفاعل الحضور مع الرسالة التي وجهها الشهيد عبدالرزاق إلى أبنائه قائلاً فيها: «أنا لست مشغولاً عنكم.. أنا معكم»، وتم عرضها عبر شاشات المسرح.
وتعتبر حكاية البطل عبدالرزاق الملحم عنوانًا لأبرز قصص رجال القوات السعودية في الحد الجنوبي. وزاد من جمال القصة حضور والده اللافت على منصة مسرح «حكايا مسك»، الذي تحدث عن تضحيات أبطال الحد الجنوبي، وقابله الجمهور بتصفيق كبير، ولاسيما أن ابنه الشهيد كان له دور بطولي في الدفاع عن أرض الوطن، لن ينساه السعوديون.
يقول والد الشهيد عبدالرزاق إن الوطن هو «عرض»، و«كرامة»، ومن لا يدافع عنه ليس لديه كرامة. مضيفًا بأنه لا يخشى الشهادة، في حين أن ابنه الثاني شقيق الشهيد أيضًا يدافع في الحد الجنوبي الآن، وأُصيب أربع مرات، ولا يخشى من استشهاده؛ إذ إنه في دفاع عن وطنه.
وعن قصته مع ابنه الشهيد عبدالرزاق، وكيف تم إبلاغه باستشهاده، أوضح أنه علم عن طريق أحد زملائه في الحد الجنوبي، وكانت ردة فعله ترديده عبارة «لا حول ولا قوة إلا بالله». مشيرًا إلى أنه لم يشاهده منذ أربعة أشهر؛ إذ رفض العودة إلى تبوك رغم أن جميع زملائه عادوا إلا أنه رفض الإجازة التي مُنحت له.
وأضاف قائلاً: الحمد الله، ابني نال الشهادة بعد أن كُلف بتحرير جبل (المخروق) على حدود منطقة نجران. مشيرًا إلى أن الشهيد كان في إجازة، وعاد إلى ميدان المعركة، وهو في الطريق إلى المطار يسير متوجهًا لمنطقة تبوك لرؤية أسرته تم إبلاغه بالمهمة؛ فطلب من السائق العودة إلى زملائه لمساندتهم.
وأوضح أنه رفض النزول من الجبل بعد تحريره طالبًا البقاء فيه إلى جانب زملائه حتى استُشهد بعد عملية دفاع عن حدود الوطن.
علي الغفيلي: الرسالة الإعلامية سلاح على الحد الجنوبي
في المقابل، كان للإعلامي البارز علي الغفيلي حكايا أخرى للمرابطين في الحد الجنوبي عندما توجه إلى الميدان للمشاركة بسلاحه المتمثل بالرسالة الإعلامية، ونقل تضحيات رجال الأمن هناك.
وتحدث الغفيلي من مسرح «حكايا مسك» بالمنطقة التاريخية قائلاً: أعتقد أن كل فرد يعتبر من أفراد الحد الجنوبي. معتبرا أن تغطيته لبطولات الحد الجنوبي شرف، حصل عليه للدفاع عن بلاد الحرمين.
وعن موقفه مع أسرته التي لم تكن على علم بذهابه إلى الحد الجنوبي أوضح الغفيلي أن والدته لم تعلم بذهابه، وكانت حزينة كون المهمة التي كلف بها جاءت بشكل مفاجئ، لكنه نجح في إقناعها بأن وقوفه إلى جانب المرابطين هو واجب وطني، مشيرًا إلى أنه نجح في ذلك مقابل عدم إغلاق هاتفه النقال.
ويرى الغفيلي أن ما حدث في اليمن هو اعتداء غاشم، وتعدٍّ على الأعراف الدولية، موضحًا أنه حاول من خلال وجوده في أرض المعركة نقل أبسط الأشياء التي يقوم بها المرابطون على الحد الجنوبي.
وزاد بقوله: من حظي بالوجود في الحد الجنوبي فقد حصل على شرف عظيم. ذهبنا لتغطية حرب بكل ما تعنيه الكلمة، والتقينا رجالاً تركوا أولادهم، وكان تركيزهم على العدو في الحد الجنوبي.
وذكر الغفيلي أنه لا يكاد يخلو أي منزل في المملكة من المرابطين في الحد الجنوبي، كاشفًا عن تجربته أثناء ارتدائه السترة العسكرية التي يرتديها المرابطون أثناء مهامهم على الحد الجنوبي طوال الأعوام الماضية، متسائلاً: أنا لم أحتمل ارتداءها بضع ساعات بسبب وزنها الثقيل، فكيف بالمرابطين الذين لا تفارقهم منذ أكثر من ثلاثة أعوام؟
«الدموع» و«القبلات» تحاصران والد الشهيد عبدالرزاق الملحم
لم يقف تفاعل الجمهور على منصة «حكايا مسك» في يومه الأول أمس الجمعة، بعد أن امتدت إلى ساحات المهرجان؛ إذ لم يستطع عبدالكريم العبيد، أحد الحضور، كفكفة دموعه حتى ارتفع صوته مهنئًا والد الشهيد النقيب عبدالرزاق بكلمات متقطعة، وقبلات على رأسه، وهو يذرف الدموع تعبيرًا عن إعجابه بتضحيات الشهيد، وحديث والده اللافت عن الوطن أثناء وقوفه على مسرح «حكايا مسك».
ويتحدث العبيد عن تأثره الشديد وإعجابه بالشهيد عبدالرزاق الملحم ووالده، مشيرًا إلى أن الموقف كان مؤثرًا عندما جلس والد الشهيد يحكي عن بطولاته، ورفض ابنه الإجازة من أجل الدفاع عن الوطن.
وقال العبيد إن موقف والد الشهيد عبدالرزاق وحضوره اليوم يمثل الشهيد في ميدان المعركة؛ إذ كان مؤثرًا. موضحًا أنه كلما شاهد صورة الشهيد ذرف الدموع؛ لأنه بالفعل كان موقفًا رجوليًّا وبطوليًّا من رجل شجاع تجاه وطنه.
وأضاف: تفاعلنا نحن المواطنين والموظفين والمتابعين مع موقف والد الشهيد، وهذا أقل شيء يمكن أن نقدمه له، ونسأل الله للشهيد القبول.
مقاطع سناب شات من الحد الجنوبي
وفي لافتة سجَّلت إعجاب الحضور في مسرح «حكايا مسك» بالمنطقة التاريخية في جدة، خصص مهرجان مسك مقاعد لذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك خصص مترجم «لغة الإشارة» لنقل حكايا مرابطين على الحد الجنوبي.
وجرى خلال فعاليات اليوم الأول عرض مقاطع لـ«سنابات»، أرسلها مرابطون في الحد الجنوبي، وجهوا خلالها رسائل للمواطنين، تطمئنهم، وتطلب منهم الدعاء لهم لحماية الوطن.
كما شهد مهرجان حكايا مسك عرض مسرحية «حبل غسيل»، التي شهدت تفاعلاً كبيرًا من الحضور الكبير الذي شهدته أروقة المهرجان الذي يقام لأول مرة بالمنطقة التاريخية بجدة، ويستمر حتى الثلاثاء المقبل.