رقية سليمان الهويريني
تُعد الوقاية من الجريمة قبل وقوعها الأساس في بناء السياسة الجنائية الحديثة. والوقاية مفهوم حديث، يعني حماية وحفظَ المجتمع بأكمله؛ ما يعني تحولاً في المعالجة التقليدية للجريمة؛ فقد كانت محصورة بمكافحة الجريمة وضبطها، حينما كانت تقتصر فقط على فئة مرتكبي الجرائم ومخالفي النظام.
ولئن سلَّمنا بحتمية الجريمة في المجتمع فلا يعني الخضوع لبطشها، بل ينبغي الوقاية منها بالبرامج المناسبة. ويجب تضافر الجهود الرسمية والمؤسسات المجتمعية، فضلاً عن الفرد ذاته، في التقليل من تفشي الجرائم؛ فالدولة لا تستطيع أن تلبي مطالب شعبها بتوفير الحماية التامة لكل بيت وكل مواطن في كل وقت، في ظل اتساع المدن وزيادة عدد السكان من مواطنين ووافدين، وتعقد المصالح وتشابك العلاقات.
وفيما يحصر الاهتمام الأكبر للأجهزة الأمنية الرسمية بالتركيز على الجرائم الخطيرة والاعتقال والتحقيق وجمع الأدلة، والكشف عن أسباب الجريمة والتحري عن مسبباتها، لمنعها قبل وقوعها، إلا أن دور المواطن يأتي مكملاً ومعاوناً في تحقيق الأمن المنشود.
وتسعى الدول في جميع أنحاء العالم لتقليص ظاهرة الجريمة، سواء في محيطها المحلي أو على مستوى العالم، فاستحدثت برامج مهمة، تشمل إجراء كافة الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية والبحثية والأمنية والتشريعية؛ لتشكل في مجملها سياجاً واقياً للأفراد من الانزلاق في مهاوي الجريمة، من خلال جهود مختلفة للتخفيف من حدتها وانتشارها، ووضع الحلول المناسبة للوقاية منها وعلاجها.
وقد نبَّهت مشكلة انضمام بعض الشباب للمنظمات الإرهابية الدول من غفوتها لإعادة النظر في البرامج الوقائية الموجهة للنشء، سواء التربوية أو التعليمية، لتغيير بعض الأفكار المغلوطة لمفهوم الجهاد، وضرورة قيام الحكومات بإشباع حاجات شعوبها، ورفع الاستبداد والظلم اللذين نتجت منهما ثورات فوضوية.
ولعل من أهم برامج الوقاية تلك الموجهة نحو العنف، ولاسيما (الأسري)، والتعصب الأعمى، وخصوصاً في مجال (الرياضة)، والعنصريّة المقيتة والقبلية البغيضة والمذهبية الكريهة، والجرائم الإلكترونية التي أزعجت الناس، وأشغلت السلطات لمساسها بالسمعة والشرف. وأشد الجرائم التي تنخر في المجتمع هي انتشار الشائعات مما يتطلب تقوية الجبهة الداخلية وتعزيز الثقة بالحكومة.
وليس من وقاية جادة ونافعة دون إصدار قانون لتجريم تلك الممارسات، على أن يسبقه حملات إعلامية مستمرة لمواجهة الظواهر السلبية في المجالات الأمنية، وتحصين أفراد المجتمع من الوقوع فيها، من خلال ترسيخ الوعي الأمني لديهم.