د. حمزة السالم
انتخب الأتراك رئيساً إسلامياً وقاد بلاده بنجاح يشهد له في الجانب الاقتصادي العلماني البحت، مثله مثل كلينتون وغيره. ولكنه لم يقدم شيئاً مطلقاً في جانب تطبيق الشريعة الإسلامية، ولو فعل لثار عليه شعبه. بل إنّ تركيا أبعد من غير المسلمين عن أي مظهر من مظاهر تطبيق الشريعة حتى في التي اتفق غير المسلمين مع المسلمين عليها. فعلى سبيل المثال: بيوت الدعارة والبغاء العلني ممنوع في كثير من الدول الاشتراكية السابقة كالصين وروسيا وغالب بلاد آسيا وهو جريمة خطيرة في أمريكا، بينما - وعلى النقيض - هو عمل نظامي في تركيا بل وأبعد من ذلك. فالبغايا تعرض في الحوانيت من وراء الزجاج تحت حماية النظام.
والمرأة هي الشغل الشاغل للإسلاميين، فما لهم يتعامون عن وضع تركيا عند محاولة خداع الشارع الإسلامي بتشدقهم بالحكومة الإسلامية في تركيا. بل أين هم عن مظاهرات الشواذ المثليين في شوارع استانبول. وروسيا في هذا الباب أشد من تركيا، وقد أثارت روسيا عليها الغرب بإجراءاتها ضد المثليين. ولا أريد أن أذكر جورجيا الاتحادية، فهي في منعها للبغاء فضلاً عن الشواذ ، قد تكون أحزم وأشد صرامة من كثير من الدول الإسلامية.
والمساجد في الغرب شاهد مصغر على فشل الديمقراطية الإسلامية عند المسلمين. فمن اطلع على أوضاع المساجد هناك والمحكومة بأنظمة الانتخابات، يرى العجب العجاب من النزاعات والأكاذيب والمكائد، من أجل السيطرة عليها من أفراد المسلمين المختلفين في انتماءاتهم الإسلامية الحزبية منها والمذهبية.
وفي تجربة مصر الأخيرة، الديمقراطية أوصلت الإخوان للحكم فما كان منهم إلا أن أرادوا أن يقلبوها ديكتاتورية وسلطة مطلقة لهم، كما اعتادوا أن يفعلوا في المساجد والجوامع في أمريكا والغرب. وعندما أزيحوا من عقلاء المصريين، أصبحوا يسعون لإفساد البلاد وتقسيمها ونشر النزاعات والكراهية والفرقة بين الشعب المصري، كما اعتادوا أيضا أن يفعلوا في المساجد والجوامع الغربية والأمريكية. وأذكر مسجدنا في وستر كان يضرب به المثل في اتحاد الكلمة - فقد كانت تحكمه ديمقراطية المسلمين لا الديمقراطية الإسلامية - حتى جاءه إخواني يدعى صلاح سلطان ( الذي تطاول - قديماً - على بلادنا في قناة الجزيرة)، فأكل الأموال ثم ترك مكانه ليفسد في أماكن أخرى، إلاّ أنه لم ينس واجبه في تقسيم وتفتيت المجتمع الإسلامي في وستر، بالنزاعات ونشر الأحقاد وانقسام المسجد إلى ثلاثة مساجد متناحرة، وذلك بعد أن خلفه إمام درويش.
الديمقراطية الناجحة هي التي لا تفرق بين المسلمين فتجعل بعضهم كفاراً وبعضهم أولياء لله، بل هي الديمقراطية التي توفر المراقبة والمحاسبة لتمنع الفاسد من الفساد وتقطع محفزات الظلم. وخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام، والظلم أصل في فطرة الإنسان، قال تعالى {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}، وقال المتنبي:
«الظُلمُ مِن شِيَمِ النُفوسِ فَإِن تَجِد
ذا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لا يَظلِمُ».