د. محمد عبدالله العوين
لعل هذا التساؤل المهم يجد اهتماما أكبر من الباحثين والمعنيين بالشأن السياسي ومن المحللين الذي يمسون ويصبحون في القنوات الفضائية دون أن نجد توقفا متأنيا وواعيا للإجابة على هذا السؤال المهم: ما هي أهداف وغايات قطر من المواقف العدائية السافرة ضد المملكة بعد التحول الخطير الذي طرأ على سياستها 1996م إثر انقلاب الابن حمد على أبيه خليفة وطرده من البلاد إلى المنافي والحجز على أمواله ليعود إلى بلاده تحت الإقامة الجبرية بعد جهد وسطاء ويظل حبيس قصره إلى أن مات.
يتضح لنا من متابعة تطورات الأحداث بعد ذلك العام المفصلي 1996م ليس في تاريخ قطر فحسب؛ بل في تاريخ المنطقة أن لدى «حمد بن خليفة» طموح غير عادي في الزعامة على مستوى المنطقة، وأنه يشعر بأن بلاده ضئيلة الحجم وليس لها تأثير في السياسة الخليجية ولا العربية ولا الإسلامية، وحسب التسجيل المسرب في أثناء لقائه بالقذافي بحضور رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية - آنذاك - حمد بن جاسم يعتقد حمد بن خليفة أن العائق الوحيد أمام طموحات قطر لتكون دولة مؤثرة في المنطقة ولتتمدد في حدودها الجغرافية ولتحدث مزيدا من الانفتاح في حياة أبناء الجزيرة العربية هي القيادة السياسية في المملكة؛ ولذلك لا بد - حسب زعمه - من السعي لإثارة الفوضى في المملكة والتخلص من الرموز القوية المؤثرة في القيادة السياسية لتتمكن قطر من تحقيق طموحاتها حسب ما تحدث به الشيخان دون أن يسمع للقذافي أي تعليق.
كان ذلك التسجيل المدوي الخطير محفوظا طي الكتمان لدى أجهزة أمن القذافي ولم ينشر عبر موقع «اليوتيوب» إلا بعد أن انقلب الشيخان على ثالثهما في المؤامرة القذرة ضد قيادة المملكة وحرضا على الثورة على القذافي ودفعا ملاين الدولارات للرئيس الفرنسي «ساركوزي» كي تدك طائراته معاقل القذافي إلى أن سقط واشتعلت الفوضى في ليبيا إلى هذه اللحظة التي لا نستطيع أن نعرف كم عدد الجماعات التي تتقاتل تحت عشرات الخطابات الدينية والإقليمية والعشائرية.
كان انقلاب الشيخين على القذافي ضمن حزمة وأجندة ما يعرف زورا بـ»الربيع العربي» الذي استعد له حمد مبكرا منذ انقلابه على أبيه الشيخ خليفة؛ بل ربما نجد أن تعليل انقلابه على أبيه يكمن في تنفيذ ما يخصه من مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي وضعته الدوائر الصهيونية في الكونجرس الأمريكي والمحافظون الجدد وقدم الدراسات والأبحاث والتصورات اللازمة له المفكر الصهيوني الأمريكي المتخصص في دراسات الشرق الأوسط «برنارد لويس» وآخرون على شاكلة نهجه الأيدلوجي، وتولت إسرائيل التهيئة والتمهيد لإحداث البيئة الفكرية والسياسية اللازمة لإحداث الفوضى والبدء لاحقا بتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد بإنشاء قناة «الجزيرة» التي بدأ بثها في الأول من نوفمبر1996م وتحمل الشيخ حمد تكاليف إنشاء القناة ورواتب العاملين فيها فدفع لها مبلغ 150 مليون دولار وإلى اليوم ونفقات القناة تدفع من الديوان الأميري.
وتتبين صلة قناة الجزيرة من حيث الفكرة والأهداف بإسرائيل من خلال اهتمام رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز وجولاته في استديوهاتها ولقائه بالعاملين فيها، وتتكشف إرادة التطبيع مع إسرائيل التي تنهجها القناة في جل برامجها؛ بل والاعتذار أحيانا مما يبدر من انتفاضات فلسطينية في غزة أو الضفة الغربية تزعج إسرائيل.
وقد بدأ الشيخ حمد أولى خطوات التطبيع بفتح مكتب تجاري لإسرائيل في الدوحة، ثم بتوقيع اتفاقية تصدير الغاز إلى إسرائيل بالإضافة إلى مجالات تعاون أمني مختلفة، ثم ازداد التنسيق مع انطلاقة فوضى الربيع العربي 2011م إلى اليوم.
كان جهد قناة الجزيرة في برامجها واضحا ومكشوفا لإثارة الاضطرابات والفوضى في المنطقة؛ وبخاصة المملكة ومصر، وسعت جاهدة لاستضافة المتنكرين لبلادنا ممن منحتهم بريطانيا حق اللجوء ويزعمون أنهم يدعون للإصلاح؛ بينما هم في حقيقتهم عملاء بأيدي استخبارات القذافي وإيران وقطر وأظهر تركيز القناة على هؤلاء الأدعياء أهداف قيادة قطر العدائية نحو المملكة.
(يتبع)